تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولد علي الطنطاوي في دار صغيرة من أملاك وقف جامع التوبة في حي العقيبة، وهو حي فقير في أطراف دمشق. وكانت ولادته في الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1327هـ (1909م). وفي هذه الدار في هذا الحي الفقير نشأ وعاش شطراً من عمره. عاش حياة جدّ وعلم أكثرها في مجالس العلم مع أبيه وتلاميذ أبيه، وبين صفحات الكتب في مكتبتهم العامرة، ولم يعرف لعب الصبيان وهزلهم. وكبر وهو يمضي أكثر وقته في القراءة. جمع علي الطنطاوي في دراسته بين الطريقتين: القديمة بالتلقي عن العلماء والمشايخ في حلقات العلم، والحديثة بالدراسة في المدارس والجامعات، فحضر مجالس أبيه وقرأ على علماء الشام في حلقات الجامع الأموي، ودرس في المدارس النظامية وأتم تعليمه الجامعي، وتفوّق في جميع مراحل تعليمه. بالإضافة إلى نهمه بالقراءة منذ نعومة أظفاره، الذي نفعه كثيراً.

كان أول عهده بالمدارس والتعليم سنة 1332هـ (1914م) عندما أمضى بعض يوم في الكُتّاب (المدرسة الآجرية) وهو ابن خمس سنين، وبقي يحسّ مرارة هذا اليوم طوال حياته. وكان هذا آخر عهده بالكتّاب. وفي تلك السنة، التي بدأت فيها الحرب العالمية الأولى، توفي جدّه الشيخ أحمد ودخل المدرسة التجارية التي كان والده مديراً لها، وبقي فيها سنوات الحرب حتى بلغ الصف الخامس الابتدائي سنة 1918م. ومع انتهاء الحرب وقدوم الشريف فيصل وبداية عهد الاستقلال العربي سنة 1918م، أغلقت المدرسة التجارية وانتقل إلى المدرسة السلطانية الثانية، وكان عليه أن يعيد السنة الرابعة الابتدائية بسبب تبدل المناهج بعد أن كان قد نجح إلى السنة الخامسة أيام الحكم التركي. وأعاد علي الطنطاوي السنة الرابعة ونجح فيها وكان الثاني بين الطلاب. انتقل بعد ذلك سنة 1919م إلى المدرسة الجقمقية الأهلية التي كان مديرها معلم الشام الشيخ عيد السفرجلاني فأفاد منه ومن حلقات الأموي الحافلة بالعلم، فكان يحضر دروس الشيخ صالح التونسي والشيخ بدر الدين الحسني والشيخ الكتاني والشيخ الكافي والشيخ محمد بهجة البيطار الذي كان يدرّس في الأموي في رمضان وكانت دروسه اليومية في جامع الدقاق في الميدان، وقد درّس علي الطنطاوي بعد ذلك في مدرسة أنموذج المهاجرين الابتدائية واستمرت صلته به طويلاً. كان هذان العامان في الجقمقية وحلقات الأموي عميقي الأثر في التكوين العلمي لعلي الطنطاوي، وفيهما وضع أساسه العلمي وقرأ على كبار علماء البلد وحفظ متوناً علمية كثيرة. وفي تلك الأيام انتهى العهد العربي القصير بمعركة ميسلون مع الجيش الفرنسي الغازي التي كانت معركة غير متكافئة وانتهت بهزيمة أليمة، وبدأ الحكم الفرنسي في تموز سنة 1920م. انتقلت عائلة علي الطنطاوي سنة 1921م من دارهم الصغيرة في العقيبة إلى دار واسعة في الصالحية على سفح جبل قاسيون، فانتقل إلى مدرسة أنموذج المهاجرين الابتدائية الحكومية، وأعيد للصف الخامس الابتدائي مرة أخرى في عهد الانتداب الفرنسي، بعد أن كان درسه في العهد التركي وفي العهد العربي. هذه السنوات الضائعة في الظاهر كانت خيراً له وبركة، فيها استقر الإيمان في قلبه ونهل من العلم وقرأ من الكتب الكثير. انتقل من عالم الأموي الحافل إلى سفح جبل قاسيون، ودمشق تعيش تلك الأيام مصاب ميسلون وضياع الاستقلال. وفي هذه المدرسة خطب التلميذ علي الطنطاوي أول خطبة له، وكان في السنة السادسة الابتدائية في الرابعة عشرة من عمره. كان دوره في كلمة للطلاب يوم أمرت الحكومة بالخروج لاستقبال المفوض السامي الفرنسي الجديد، فخطب خطب حماسية صادقة خارجة من قلبه الصغير آنذاك، حرّض فيها على عدم الخروج لاستقبال زعيم الفرنسيين أعداء الدين والوطن، فعوقب بتنقيص علامته في الأخلاق والسلوك، وكان هذا أول عهده بالخطابة. وبعد سنتين في مدرسة أنموذج المهاجرين دخل امتحان الشهادة الابتدائية سنة 1922م، ونجح بتفوق وكانت كل علاماته كاملة باستثناء علامة الأخلاق والسلوك، عقاباً له على خطبته في المدرسة التي هاجم فيها الفرنسيين. وبعد نيل الشهادة الابتدائية دخل مكتب عنبر سنة 1923م وبقي فيه حتى سنة 1928م، وكانت السنوات الست التي قضاها فيه غنية بالأحداث الخاصة في حياته والعامة في حياة بلده، فيها مرَّ بأضخم منعطف في حياته وهو موت أبيه، وفيها كانت نهضة المشايخ والثورة السورية وبداية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير