تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النضال من أجل الاستقلال. وصار من قادة الشباب الوطنيين وصاحب كلمة مقروءة ومسموعة عند أهل الشام. وكانت هذه السنوات هي المرحلة الأعمق أثراً في بناء شخصيته وفكره وعلمه، وصفها بأنها كانت لنفسه كأيام البناء في تاريخ الدار.

درّسه العربية في مكتب عنبر أئمة العربية: الشيخ عبد الرحمن سلام الخطيب المفوّه، والشيخ عبد القادر المبارك والشيخ سليم الجندي إماما العربية الذين كانا أكثر من درّسه تأثيراً في تكوينه اللغوي والأدبي وقال عنهما بعد وفاتهما:"لقد ماتا وما أعرف تحت قبة الفلك أعلم منهما بالعربية وعلومها".

وفاة والده وعمله في التجارة ثم عودته للدراسة:

في شعبان 1343هـ (1925م) كان الشاب علي الطنطاوي، وهو في السادسة عشرة من عمره، يبدأ مرحلة جديدة من حياته، يودع فيها سنوات الدعة والرخاء، ويبدأ سنوات العناء والعمل الشاق الدؤوب وحمل عبء إعالة أسرته، وفوق كل ذلك إكمال تعليمه. كان رمضان على الأبواب، وهم في دارهم الكبيرة في الصالحية يستعدون للشهر الكريم ولضيوفه، فمرض والده في الأيام الأولى من شعبان ومات يوم العشرين منه، وتغيّر مسار حياته كلها. ترك لهم أبوه رحمه الله ديناً كبيراً، فكان عليهم أن يتركوا الدار الكبيرة التي يسكنوها وأن يبيعوا كل ما فيها لقضاء الدين. وكان هو أكبر إخوته ولم يعد لهم من يعيلهم غيره. استخرج لهم خال أبيه معاش أبيه التقاعدي وكان ضئيلاً، واستأجر لهم داراً صغيرة في حيهم القديم العقيبة، وتدبّر بيع كل ما في الدار من أثاث وأغراض إلاّ المكتبة فقد تمسّك بها علي الطنطاوي بكل قواه ولم يسمح ببيعها. وعادوا من جديد إلى حيّهم الفقير القديم، إلى دار صغيرة تُسقى من ساقية مكشوفة ملوثة الماء، وصفها أنها لا تصلح أن تكون إصطبلاً تربط فيه الدواب، فكانوا يفرشون الحصير والبساط عليه فراش رقيق ينام عليه إخوة علي الطنطاوي الصغار وتسهر عليهم أمّهم تدفع عنهم البق صابرة محتسبة. وحمل عبء هذه الأسرة التي صار هو رجلها ومعيلها. كان موردهم معاش أبيه التقاعدي القليل، بالإضافة إلى معاش إمامة جامع رستم الصغير المجاور التي كانت لأبيه وآلت إليه ويبلغ مئة وخمسين قرشاً، وراتب تلاوة جزء من القرآن في جامع سنان باشا في باب الجابية كانت أيضاً لأبيه وآلت إليه ويبلغ خمسين قرشاً في الشهر. وبدأ بذلك مرحلة جديدة من حياته تعلّم فيها حمل المسؤوليات وخرج منها أصلب عوداً وأكثر خبرة بالحياة.

كان عليه أن يبدأ بكسب رزقه لينفق على البيت فلم يعد لأمه وإخوته الصغار من يعيلهم غيره. وكان في أواخر المرحلة المتوسطة التي ينال في نهايتها شهادة "الكفاءة"، فعُرض عليه أن يترك الدراسة ويدرّس النحو للصف الرابع الابتدائي فقبل، ثم طلب الدرس ابن الشيخ علي الدقر فآثروه به فغضب وترك التعليم وعاد إلى الدراسة، وأراد الله له بذلك خيراً، فلو لم يحدث ما حدث لبقي معلم ابتدائية وما أكمل تعليمه. وبعد أن حصل على شهادة الكفاية (المتوسطة) تعلّم المحاسبة ثم عمل كاتب حسابات عند تاجر أدوات كهربائية، وكانت دكانه بجوار جامع السباهية قرب باب الجابية، فكان وهو في الدكان يسمع قراءة الأولاد في المدرسة وهو محبوس بين الأسلاك والأدوات الكهربائية فيتقطع قلبه شوقاً للعلم الذي نشأ بين أحضانه، ويتحسر أن تكون نهايته كاتب حسابات دكان كهربائي، بعد هذا الطريق الذي قطعه في طلب العلم وكل الكتب التي قرأها. عمل بعد ذلك محاسباً لشريكين يبيعان السمن ويصنعان الصابون ثم تركهما لما وجد من غشّهما. ثم عمل قليلاً لدى تاجر خيوط في سوق الخياطين ثم تركه لما سمع منه ما يكره. بعد ذلك قرر أن يتاجر بنفسه فشارك طالب علم تاجراً هو الشيخ رياض كيوان يبيعان السكر والأرز لا يكسبان إلا قروشاً معدودة. لكن علي الطنطاوي لم يُخلق ليكون تاجراً، وما كان ليصلح للتجارة ولا التجارة تصلح له. وكان قد بدأ يدرك ذلك عندما مرّ ذات يوم أمام المحكمة التي كان أبوه رئيس ديوانها، فزارها فلقي فيها الأستاذ محمد علي الطيبي الذي صار مكان أبيه في المحكمة، فكان هو الذي نبهه أنه أساء اختيار الطريق، وذكره أنه خلق للعلم وعليه أن يعود إليه، فذهب إلى عمه الأكبر الشيخ عبد القادر العالم الفلكي وأخبره أنه يريد العودة للدراسة، وكان قد مضى من السنة ثلثيها، ففات امتحان الفصل الأول وصار امتحان الفصل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير