ـ[أبو إبراهيم المكي]ــــــــ[15 - 07 - 07, 03:50 م]ـ
أولاً: ذكرتُ في كتابي «الجوهر النقي» ضرورة التلقي عن الأشياخ مباشرةً، وعدم الاكتفاء بالمطالعة الحرة، ولا يُستثنى من ذلك إلا من فقد المعلم؛ فيستعين بالشروحات السمعية، وبالكتب العصرية التي قصد أصحابها تقريب العلوم ...
ثانياً: كان القصد من وراء تأليف كتاب (الجوهر النقي) هو تحصيل آلة الاجتهاد في علم الشرع؛ ولا شك أن اللغة من علوم الوسائل التي يستعان بها على بلوغ هذه الغاية، وفيما ذكرته في التدرج النحوي مثلاً: (الآجرومية، ثم قطر الندي، ثم الألفية، ثم الأساليب الإنشائية ومغني اللبيب) كفاية، وجاء قولي: (ومن أراد التبحر في هذا الفن ... ) إلخ من باب الاستطراد، والفائدة.
وكذلك إرشادي في الصرف إلى كتاب (دروس التصريف)؛ وليس في الاقتصار على هذا الكتاب إجحاف؛ لأنه لا يحتاج الطالب المتصور البلوغ إلى درجة الاجتهاد أكثر من هذا الكتاب؛ ورحم الله الشوكاني إذ يقول: «ويختلف الانتفاع بالعلوم باختلاف القرائح والفهوم، فقد ينتفع من هو كامل الذكاء، صادق الفهم، قوي الإدراك بالقليل ما لا يقتدر على الانتفاع بما هو أكثر منه كثيرٌ من جامدي الفهم، راكدي الفطنة» اهـ.
ولم أقصد تثقيف الطالب المتصور التبحر في هذا الفن؛ فهذا ينبغي عليه أن يضم إلى كتاب (دروس التصريف) كتباً أخرى؛ لا سيما (الشافية) لابن الحاجب، وشرحها للرضي، قال الشوكاني في «أدب الطلب» في الطبقة الأولى من الطلبة المتصورين التبحر في جميع العلوم: «ولا يكون عالماً بعلم الصرف كما ينبغي إلا بعد أن تكون الشافية من محفوظاته، لانتشار مسائل فنِّ الصرف، وطول ذيل قواعده، وتشعب أبوابه. ولا يفوته الاشتغال بشرح الرضي على الشافية .. فإن فيه من الفوائد الصرفية ما لا يوجد في غيره» اهـ.
والمقصود أن التبحر في علوم اللغة؛ ليس ضرورياً لمن أراد بلوغ درجة الاجتهاد الشرعي؛ إذ الغاية من علوم اللغة باختصار: (ما لا يسع الأصولي جهله). ولا أريد أن يشتغل الطالب بعلوم الوسائل عن العلوم المقصودة أصالةً، فإن العمر قصير، ولله درّ الشاعر إذ يقول:
إنما العلم بحر زاخر فخذ من كل شيء أحسنه
ثالثاً: وكذلك الحال في المعاجم اللغوية؛ فلا يحتاج الطالب غير هذه المعاجم المشهورة، وأما طريقة التعامل معها فهي مبثوثة في مقدماتها؛ فلا داعي لنقلها، وتكرارها، وليس موضوع كتابي (الجوهر النقي) دراسة المعاجم اللغوية: مزاياها، ومناهجها ... إلخ، مما يتسع له كتاب مستقل. وانظر إلى صنيع الشوكاني في «أدب الطلب» ـ وهو نفس موضوع كتابي ـ عندما تكلم على علم اللغة في برنامج الطبقة الأولى من طلبة العلوم قال: «ثم ينبغي له أن يكبَّ على مؤلفات اللغة، المشتملة على بيان مفرداتها كـ «الصحاح»، و «القاموس»، و «شمس العلوم»، و «ضياء الحلوم»، و «ديوان الأدب»، ونحو ذلك من المؤلفات المشتملة على بيان اللغة العربية عموماً، أو خصوصاً، كالمؤلفات المختصة بغريب القرآن، والحديث» اهـ. فهل قصَّر الشوكاني عندما أغفل كيفية التعامل مع هذه المعاجم؟! أم كان موضوع كتابه لا يتسع لذلك؟! أم أنه لم يذكر برنامجاً واضحاً؟!
رابعاً: لا تلزم العلوم اللغوية الأخرى ـ كالشعر، والعروض والقوافي ـ لتحصيل الاجتهاد؛ ولما ذكر الشوكاني في «أدب الطلب» علوم النحو والصرف والبلاغة والمنطق والمناظرة واللغة وأصول الفقه وأصول الدين والتفسير والحديث والجرح والتعديل = قال: «فإذا أحاط الطالب بما ذكرناه من العلوم؛ فقد صار حينئذ من الطبقة العالية من طبقات المجتهدين، وكملت له جميع أنواع علوم الدين، وصار قادراً على استخراج الأحكام من الأدلة متى شاء، وكيف شاء.
ولكنه ينبغي له أن يطلع على علوم أخرى، ليكمل له ما قد حازه من الشرف، ويتم له ما قد ظفر به من بلوغ الغاية».
وذكر علم الفقه، والشعر، وكتب الترسل، وعلم العروض والقوافي، وغيرها.
خامساً: وقد يقول قائل: اذكر لي من كل فن من فنون اللغة ما يكفي طالب العلم غير المتخصص باللغة؟
فأقول: تختلف وجهات النظر من واحد إلى آخر، فليست هذه المسألة مما لا يسوغ فيه الخلاف وتعدد الآراء!!
والحالة التقريبية في نظري: أن تدرس في علم النحو والصرف (الموجز في قواعد اللغة العربية) للأفغاني، فقد اشتمل هذا الكتاب على ما يحتاجه الطالب من مسائل النحو والصرف والإملاء، ولم يترك شيئاً ذال بال كما قال مؤلفه.
وفي البلاغة؛ يكفيك «دروس البلاغة» لحفني ناصف وزملائه، وإذا أردت الترقي أكثر من ذلك فكتاب «جواهر البلاغة» للهاشمي.
وفي الإملاء والترقيم؛ يكفيك «قواعد الإملاء» لعبد السلام هارون، أو «الإملاء والترقيم في الكتابة العربية» لعبد العليم إبراهيم.
وفي اللغة؛ يكفيك «المعجم الوسيط»، و «المفرادت» للراغب الأصفهاني، و «النهاية» لابن الأثير.
وفي الأدب؛ يكفيك «جواهر الأدب» للهاشمي.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥