«ينبغي أَن تكون لك مواهب وراثية تؤديك إلى هذه الغاية، وهي ما لا يعرف إلَّا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمنا، فإن ظهر عليك أثرها، وإلَّا كنت أديباً كسائر الأُدباء الذين يستعيضون من الموهبة بقوة الكسب والاجتهاد. فإذا رغبت في أَقرب الطُّرق إلى ذلك = فاجتهد أن تكون مفكِّراً منتقداً، وعليك بقراءة كتب المعاني قبل كتب الألفاظ .. واصرف همَّك من كتب الأدب العربي بادىء ذي بدء إلى «كليلة ودمنة» و «الأغاني» (1) و «رسائل الجاحظ» و «كتاب الحيوان» و «البيان والتَّبيين» له، وتفقَّه في البلاغة بكتاب «المثل السَّائر» وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبيِّ، وقد كنت شديد الولوع به.
ثم عليك بحفظ الكثير من ألفاظ كتاب «نجعة الرائد» لليازجي، و «الألفاظ الكتابية» للهمذاني، وبالمطالعة في كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي، و «العقد الفريد» لابن عبد ربه، وكتاب «زهر الآداب» الَّذي بهامشه.
ورأس هذا الأمر بل سر النجاح فيه أن تكون صبوراً، وأن تعرف أن ما يستطيعه الرَّجل لَا يستطيعه الطفل إلَّا متى صار رجلاً، وبعبارة صريحة إلَّا من انتظر سنوات كثيرة.
فإذا دأبت في القراءة والبحث وأهملت أمر الزَّمن طال أو قصر انتهى بك الزَّمن إلى يوم يكون تاريخاً لمجدك وثواباً لجدك» (2).
وقال أيضاً: «الإنشاء لَا تكون القوَّة فيه إلَّا عن تعب طويل في الدَّرس وممارسة الكتابة والتقلُّب في مناحيها والبصر بأوضاع اللُّغة، وهذا عمل كان المرحوم الشَّيخ عبده (3) يقدر أنَّه لا يتم للإنسان في أقل من عشرين سنةً. فالكاتب لَا يبلغ أن يكون كاتباً حتَّى يقطع هذا العمر في الدرس وطلب الكتابة.
فإذا أوصيتك فإنِّي أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن ومراجعة الكشاف (تفسير الزمخشريِّ) (4)). ثم إدمان النظر في كتاب من كتب الحديث كالبخاري أو غيره، ثم قطع النفس في قراءة آثار ابن المُقَفَّع («كليلة ودمنة» و «اليتيمة» و «الأدب الصَّغير»)، ثم «رسائل الجاحظ»، و «كتاب البخلاء»، ثم «نهج البلاغة» (5) ثم إطالة النَّظر في «كتاب الصِّناعتين» للعسكريِّ و «المثل السائر» لابن الأثير، ثم الإكثار من مراجعة «أساس البلاغة» للزمخشري. فإن نالت يدك مع ذلك «كتاب الأغاني» أو أجزاء منه و «العقد الفريد»، و «تاريخ الطَّبري» فقد تمت لك كتب الأسلوب البليغ.
اقرأ القطعة من الكلام مراراً كثيرة ثم تدبرها وقلب تراكيبها ثم احذف منها عبارة أو كلمة وضع من عندك ما يسد سدّها ولا يقصِّر عنها واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترقَّ إلى درجة أخرى؛ وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها وبمثل أسلوبها، فإن جاءت قطعتك ضعيفة فخذ في غيرها ثم غيرها حتَّى تأتي قريباً من الأصل أو مثله.
اجعل لك كل يوم درساً أو درسين على هذا النحو، فتقرأ أولاً في كتاب بليغ نحو نصف ساعة، ثم تختار قطعة منه فتقرؤها حتَّى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في معارضتها على الوجه الذي تقدَّم (تغيير العبارة أولاً ثم معارضة القطعة كلها ثانياً)، واقطع سائر اليوم في القراءة والمراجعة. ومتى شعرت بتعب فدع القراءة أو العمل حتَّى تستجم ثم ارجع إلى عملك ولا تهمل جانب الفكر والتَّصور وحسن التَّخييل.
هذه هي الطَّريقة، ولا أرى لك خيراً منها، وإذا رزقت التوفيق فربما بلغت مبلغا في سنة واحدة .. » (6).
ودونك كتب الأدب المهمة:
* «أدب الكاتب» لابن قتيبة.
* وله: «عيون الأخبار».
* و «المعارف».
* «النَّوادر» لأبي علي القالي.
* وله: «الأمالي».
* «الكامل» لابن المُبَرَّد.
* «البيان والتَّبيين» للجاحظ (7).
* «لباب الآداب» للأمير أسامة بن منقذ.
* «صبح الأعشى» للقلقشنديِّ.
* «شرح أدب الكاتب» للجواليقيِّ
* «الاقتضاب في شرح أدب الكتاب» لابن السيد البَطَلْيَوْسِيِّ.
* «العقد الفريد» لابن عبد ربه.
* «معجم الأدباء» للحموي.
* «جواهر الأدب» للهاشمي.
* «وحي القلم» للرافعي.
* «جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر».
* وله: «أباطيل وأسمار».
* و «نمط صعب، ونمط مخيف».
* و «مداخل إعجاز القرآن».
* و «قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلَّام».
* و «القوس العذراء».
* و «رسالة في الطَّريق إلى ثقافتنا».
* و «ديوان الشعر».
* «في اللُّغة والأدب: دراسات وبحوث» لمحمود الطناحي.
ــــــــــــــــــــ
(1) ولا ينصح بهذا الكتاب ولا سيما للطالب المبتدىء؛ فقد ملأه بكل منكر وقبيح، وأتى بالعجائب، ولا غرابة في ذلك، فقد كان أبو الفرج شيعياً.
وعلى كلِّ؛ ينبغي عليك الحذر والانتباه خلال قراءتك كتب الأدب، ولا أنفع من كتب أديب أهل السنة الإمام ابن قتيبة.
(2) (رسائل الرافعي): (ص/15 - 16). وانظر مقاليه في (وحي القلم): (الأدب والأديب) و (سر النبوغ في الأدب). وانظر أيضاً: مقال الشيخ محمود شاكر: (الطريق إلى الأدب) بجزأيه ضمن (جمهرة مقالاته): (2/ 815 - 827).
(3) بل الهالك الماسوني ـ عليه من الله ما يستحق ـ.
(4) مع الحذر من تأويلاته الاعتزالية.
(5) وجل هذا الكتاب مكذوب على علي بن أبي طالب!!
(6) «رسائل الرافعيِّ»: (ص/40 - 41).
(7) قال ابن خلدون: «وسمعنا من شيوخنا في مجلس التَّعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين؛ وهي: «أدب الكاتب» لابن قتيبة، و «كتاب الكامل» للمُبَرَّد، و «كتاب البيان والتَّبيين» للجاحظ، و «كتاب النوادر» لأبي علي القالي البغدادي؛ وما سوى هذه الأربعة فتبع لها، وفروع منها» اهـ.وانظر: مقالة الرافعي في «وحي القلم»: «رأي جديد في كتب الأدب القديمة».
¥