أ. عن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
رواه مسلم (806).
قال السندي:
(نقيضا) صوتاً كصوت الباب إذا فتح، (أبشر) من الإبشار، (أوتيتهما) على بناء المفعول وكذا لم يؤتهما، (حرفا منهما) أي: مما فيه من الدعاء، (إلا أعطيته) أي: أعطيت مقتضاه، والمرجو أن هذا لا يختص به بل يعمه وأمته صلى الله تعالى عليه وسلم.
" حاشية السندي " (2/ 138، 139).
ب. عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلِّي. رواه مسلم (333).
وقال:
… وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذِكره.
قال النووي:
قوله " وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذِكره ": قال القاضي عياض رضي الله عنه: الحرف الذي تركه هو قول " اغسلي عنك الدم وتوضئي "، ذَكر هذه الزيادة النسائي وغيره، وأسقطها مسلم؛ لأنها مما انفرد به حماد. " شرح مسلم " (4/ 22).
وللعلم فقد تكرر كثيراً في كلام الإمام مسلم مثل هذا الاستعمال والإطلاق وكذا وجدته عند الترمذي وأبي داود، وذلك في تعليقاتهم على الأحاديث وبيان اختلاف الرواة في بعض ألفاظ الحديث وجمله.
ثالثاً:
والذي يظهر أن " الحرف " المراد من حديث ابن مسعود في فضل قراءة القرآن هو بالمعنى الثاني وهو الحرف بمعنى الكلمة لا بالمعنى الأول ولا الثالث! وبيان ذلك:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأ حرفاً مِن كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألِف حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف ".
رواه الترمذي (2910)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6469).
وإذا دقَّقنا النظر في الحديث وألفاظه نجد أن الأجر كان على الحرف، والحرف الذي ذَكره النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً هو: ألِف، و لام، و ميم.
والحرف هنا هو الكلمة التامة أو الضمير دون الحرف الاصطلاحي وإلا لكان الأجر على قراءة الألِف في {الم} هو: ثلاثون حسنة مضاعفة! لأننا نقرأ هذا الحرف - المراد في الحديث – ثلاثة أحرف اصطلاحية – بالمعنى الأول السابق - وهي: أ، ل، م!! لكن ليس هذا هو مقصود الحديث، بل جعل اللفظ كاملا وهو " ألِف " والتي كتبت: ا، هو الذي يكسب قارئه عشر حسنات مضاعفة!
رابعاً:
ويمكن توضيح ما سبق بمثال، وهو أن نقول:
ما هو الأجر المترتب على قراءة أول سورة الشرح هو قوله تعالى {ألم نشرح .. }؟
إنه بحسب المشهور: ثلاثون حسنة مضاعفة لأنهم يقولون: أ: عشر حسنات مضاعفة، و: ل: كذلك، و م: كذلك!
ولئن سألتَ هذا القائل: لم قلتَ هذا؟ لقال لك: لأنها ثلاثة حروف وكل حرف بعشر حسنات!
لكن هل هذا هو الفهم الصحيح للحديث؟
الجواب: لا.
فالحرف الأول – المراد في الحديث – من أول سورة " البقرة " لا يساوي في النطق والقراءة الحرفَ الأول من أول سورة " الشرح " فنطق الحرف الأول من الأولى " ألِف " بينما نطق الحرف الأول من الثانية " أَ "!
وهكذا يقال في الحرف الثاني " لام " فإنه لا يساوي " ل "، والحرف الثالث " ميم " لا يساوي " م ".
وينبغي تذكر أن الأجر لو كان على النطق للحرف الهجائي لكان الأجر على نطقك للحرف الثاني من أول سورة البقرة – مثلا – وهو " لام " - ثلاثين حسنة مضاعفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الأجر عشر حسنات مضاعفة.
ومثال ثانٍ:
قوله تعالى {ن} في أول سورة " القلم "، مع قوله تعالى {وذا النون} [الأنبياء / 87]!
¥