تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أتقولُ: (هامّ)، أم (مُهِِمّ)؟

ـ[أبو قصي]ــــــــ[22 - 04 - 08, 03:02 ص]ـ

يقالُ: همَّه يَهُمّه هَمًّا؛ فهو هامّ. وأهمّه يُهِمّه إهمامًا؛ فهو مُهِمّ؛ فيعدّونَه بنفسِه، وبالهمزةِ، كما قالوا: بدأ اللهُ الخلقَ، وأبدأه، وغاظَه، وأغاظَه. وذلك للدلالةِ على معنيينِ:

الأول: أن يكونَ الهام، والمهم بمعنى الأمرِ الذي يضيقُ منه الصدرُ، ويحزنُ له القلبُ.

الثاني: أن يكونَ الهامّ، والمهمّ بمعنى الأمرِ الجسيم الذي يؤبَهُ له، سواءٌ كانَ محزِنًا، أم مفرِحًا.

فالمعنى الأولُ هو الأصلُ، وهو الأكثرُ في كلامِهم؛ وذلك أنّ اشتقاقَه من قولِهم: (همَّ الشحمَ يهُمُّه هَمًّا)، إذا أذابَه. ووجهُ الاشتقاقِ هو (المشابهةُ)، لأنَّ أثرَ الهمّ في الإنسانِ كأثرِ الإذابةِ للشحم؛ كلاهما يعملُ في إفناءِ متعلَّقِهِ. أو تكونُ العَلاقةُ (المسببية)، لأنّ الإذابةَ مسبَّبةٌ غالبًا لهذا العارِضِ الذي يعتري نفسَ الإنسانِ. ولذلك قالَ المتنبي - وكأنّه فطَِنَ لهذه العَلاقةِ الاشتقاقيةِ - (354 هـ):

والهمُّ يخترِمُ الجسيمَ نحافةً ... ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ، ويُهرِمُ

وأمَّا المعنى الثاني، فإنّما دلَّ عليهِ هذا اللفظُ من قِبَلِ (الاستئثارِ اللفظيِّ)؛ وذلكَ أنَّ الهمَّ - كما هو مقتضَى الاشتقاقِ - هو ما أذابَ البدنَ كمَدًا وحزَنًا؛ فاستأثرَ بعضُ أفرادِ المدلولِ (أي: المعنى) على الدالّ (أي: اللفظ)، لكونِه الأصلَ الاشتقاقيَّ؛ فسُمِّيَ كلَّ أمرٍ جسيمٍ يعتري المرءَ هامًّا، ومهِمًّا إلحاقًا له بالمعنى الأوَّلِ. وإنما ساغَ هذا لأن المعنيين يشترِكانِ في معنًى جامعٍ؛ وهو أنهما عارِضانِ جسيمانِ ذوا خطَرٍ، يعتريانِ نفسَ المرءِ، وأنَّ أحدَهما - وهو المعنى الأول - أصلٌ في الاشتقاقِ؛ فأدخلوا الثانيَ فيهِ، كما أدخلوا النساءَ في الرجالِ في قولِه تعالى: {يا أيها الذينَ آمنوا}؛ إذ سوّغَ هذا فضلُ أحدِ الصنفينِ؛ وهو الرجالُ؛ وذلك من وجوهٍ كثيرةٍ، وأنَّهما يشتركانِ في معنًى جامعٍ؛ وهو البشريةُ. وهذا المعنى الثاني لم يتمكنْ في كلامِ الأوائلِ تمكّنَ الأولِ، ولم يكثرْ كثرتَه؛ فمما بلغَنا منه ما جاءَ في كلامِ ابنِ المقفعِ (138 هـ)؛ قالَ: (لا عيبَ على الملكِ في تعيشهِ وتنعمهِ ولعبهِ ولهوهِ، إذا تعهد الجسيمَ من أمرهِ بنفسهِ، وأحْكَمَ المُهِمَّ) [الأدب الكبير]، وقالَ الجاحظُ (255 هـ): (ولنَقلِ الجنِّ الأخبارَ، علِمَ الناسُ بوفاةِ الملوكِ، والأمور المُهِمّةِ) [الرسائل].

هذا تفصيلُ الكلامِ على (همّ)، و (أهمّ)، وبه يتبيّنُ أنَّ لك أن تقولَ: (هَمّه يَهُمّه)، و (أهمّه يُهِمّه) نسبةً إلى (الهمّ)، و (الأهميةِ).

والله أعلم.

أبو قصي

ـ[سليمان خاطر]ــــــــ[23 - 04 - 08, 12:38 ص]ـ

بارك الله فيك، شيخنا أبا قصي، وجزاك الله خيرا على هذه الإفادة.

هل ترى قولهم: موضوع هام وإعلان هام وأمور هامة، صحيحا؟ مع أن أبا تراب الظاهري عده من الأخطاء الشائعة في كتابه لجام الأقلام، مستدلا بقوله عز وجل:" ... قد أهمتهم أنفسهم ... " فلعلك تنظره وتفيدنا بما تراه الصواب بدليله.

ـ[أبو عائشة اليماني]ــــــــ[24 - 04 - 08, 11:04 م]ـ

جزاك الله خيرا ويظهر مما نقلت أخي الكريم أن الفرق بينهما أن هام اسم فاعل للفعل الثلاثي همّ أما مهم فهو اسم فاعل للفعل الرباعي أهم فهو مهم

فإذا قلت همني الأمر فينبغي أن تقول الأمر الهام ولا يصح أن تقول همني الأمر فهو أمر مهم وإنما تقول أهمني كذا فهو مهم كما لا يصح أن تقول أهمني الأمر فهو هام وإنما تقول مهم

كما تقولأيضا مله يمله فهو مالّ

أو تعديه بالهمزة وتقول أملّه يُمله فهو مُمُل

والله أعلم

ـ[أبو قصي]ــــــــ[25 - 04 - 08, 02:58 ص]ـ

بارك الله فيك، شيخنا أبا قصي، وجزاك الله خيرا على هذه الإفادة.

هل ترى قولهم: موضوع هام وإعلان هام وأمور هامة، صحيحا؟ مع أن أبا تراب الظاهري عده من الأخطاء الشائعة في كتابه لجام الأقلام، مستدلا بقوله عز وجل:" ... قد أهمتهم أنفسهم ... " فلعلك تنظره وتفيدنا بما تراه الصواب بدليله.

حيّاك الله أخي الجليلَ القدرِ / سليمان

[لا تقل: يا شيخنا؛ ولكن: يا أخانا]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير