اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة .. للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجزائري
ـ[أم هالة]ــــــــ[08 - 05 - 08, 07:52 م]ـ
(اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة)
للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجزائري
إن كل كلام لهج به أهل الأمصار العربية في هذا الزمان هو مأخوذ من كلام العرب إفردا و تركيبا و إنما أسقطوا الإعراب و ابتدؤوا بالساكن، و قد بان لك هذا في مقالة المباني، و تصرفوا في كثير من الكلمات بضروب من الحذف و الاختصار على غير سنن العرب و خذ ما شئت من التراكيب فإنك لا تعدم منها عربية و لقد كنت أذكر هذا في مجالس دروس النحو لطلاب العربة من أهل بلدنا و غيرهم فيعجبون لما أقول فأسألهم أن يرتجلوا ما شاءوا من المفردات و المركبات فتطاير الأمثلة من كلام العامة فما كان منها جليا فهو في غنية عن التبيين، و ما كان منها مٌحرفا رددته إلى أصله فمن الأول: كنت في الدار و شربت الماء و نحوه كثير، و إنك إذا نطقت بهاتين الجملتين و نحوهما على طريقة أهل الوطن لا تفلي من الفروق بينها و بين النطق العربي إلا شيئا يسيرا، و لولا خشية الإطالة لأوبلت الصحيفة بوابل من الأشباه و النظائر تقنع القراء و تزجر الشك عن صاحب الاستقراء، و من هذا النوع قول حكيمنا: اللسان لحلو يرضع اللبة" فإنك لا تحتاج إلى كثير تغيير إذا نطقت بها على الوجه العربي، و لو ورد هذا عن العرب لما كان فيه ما يستنكر، و لقد ذهبت بنا الفِكَر في مذاهب الخيال حتى أنشدنا الحكمة على ألسنة شعراء العرب و سيأتي هذا في الكتاب، و ما الأدب إلا شيء امتزجت فيه الحقيقة و بالخيال.
و من أمثلة هذا النوع الثاني و هو ما عراه التحريف قولنا مثلا (شكون) أصله (أيش يكون)، و لقد اختلف في عربية كلمة (أيش) و على كل حال فهي مختصرة من قولهم: أي شيء؟ ز منه قولنا (تاعي) و (تاعك) أصله (متاعي) و (متاعك) و مثل هذا كلمة (راك) و (راني) و نحوهما مما تقتضيه التصاريف فإن أصلهما (أراني) و (أراك) تقول: (راك تكتب) أي أراك تكتب و قل هذا في كل ما تفرع من الضمائر و من هذا النوع ما لا يهتدى لأصله إلا بطول تأمل و منه كلمة (لمسيد) فإنا نطلق هذا اللفظ على المدرسة و لقد كنت أتحير في وجه إطلاق هذه التسمية على المدرسة و ألتمس لها مخارج فلا أجد لها مخرجا رضيا إلى أن وقع في نفسي أن أصلها المسجد، و مما يُسهل فهم هذا هو أن تعلم أن المدرسة كانت قائمة في المسجد أو في مكان تابع للمسجد، فكان الطالب في جميع مراحله إذا ذهب إلى المدرسة قال إني ذاهب إلى المسجد و إذا أقبل قال كنت في المسجد و إذا سئل عنه قيل هو في المسجد فكانت هذه الكلمة كثيرة الدوران في ألسنة الناس و القاعدة أن كل ما كثر استعماله و كان مستثقلا طلبت له الخفة، و لست أقول إن كلمة المسجد ثقيلة و إنما أقول إننا لما طلبنا الخفة أكثر مما طلبت العرب خف كلامنا ثم نظروا فلم يجدوا بدا من الحذف ثم نظروا فلم يجدوا أولى بالحذف من الجيم فحذفوها و أعطوا حركتها و هي الكسرة لحرف السين ثم أشبعوا الكسرة فتولد عنها ياء سهلت النطق لأن التخفيف قد لا يحصل بمجرد الحذف، و الذي يعين على ما نحن فيه أن بعض أهل الجزائر مازالوا يطلقون لمسيد على المسجد و يصدِّقه أن أهل بلاد شنقيط مازالوا إلى هذا اليوم يطلقون لمسيد على المسجد و لا يقولون المسجد إلا في نادر الاستعمال و قد تصرح العرب بأصل الكلمة شذوذا فيستفاد من ذلك الشذوذ معرفة الأصل كقول الشاعر:
لَعَمرك ما تدري متى أنت جائيٌ ........ و لكنَّ أقصى مدة العمر عاجل
و لو نطق في سعة الأمر لما أظهر الرفع في قوله (جائي) أنه منقوص و من شذوذهم تصريح شاعرهم بالخبر في قوله:
لك العِزُ إن مولاك عزَّ و إن يَهن .... فأنت لدى بحبوحة الهُون كائن
فكان حقه أن لا يصرح بكائن و إننا لنستظهر بمثل هذا على من زعم من النحاة أن الإخبار بالظروف و الجار و المجرور قسم برأسه. و مثل هذا كثير و قد أعرضت عنه لطوله.
يتبع ..
ـ[الكهلاني]ــــــــ[08 - 05 - 08, 09:57 م]ـ
اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة
ما معنى كلمة "لَحْلُو؟
أما كلمة المسجد فما أحسبهم حذفوا الجيم لثقلها. وإنما هذا في لغة بعض العرب يقلبون الجيم ياءا. وهذا موجود إلى اليوم في بعض قبائل الأزد في جنوب السعودية. فهم يقولون في المسجد (المسيد) ويقولون في الجبل (اليبل) وغيرها كثير.
قال في لسان العرب في مادة "يصص":
"لأَن العرب تجعل الجيم ياء فتقول للشجرة شيَرة وللجَثْجَاث جَثْياث".
وقال السيوطي في المزهر في علوم اللغة:
"وفي شرح التسهيل لأبي حيّان قال أبو حاتم: قلت لأم الهيثم - واسمها عثيمة: هل تبدل العرب من الجيم ياء في شيء من الكلام فقالت: نعم ثم أنشدتني: - من الطويل -
(إن لم يكن فيكن ظلٌّ ولا جَنى ... فأبعدَكنَّ اللّهُ منْ شَيرات)
والسلام.
¥