تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النَّحو في الكلام كالملْحِ في الطعام .. عبارةٌ ذات حدَّين.

ـ[بن حمد آل سيف]ــــــــ[11 - 05 - 08, 02:26 ص]ـ

بسم الله والحمد لله .. وبعد.

فإن عبارة: (النحو في الكلام كالملح في الطعام) شاعت في كتب العلماء بمعنيين متناقضين، فيوردها البعض مادحاً النحو، وينقلها البعض الآخر ذماً له!

فأثارني ذلك إلى جمع تلك النقول في محل واحد .. وسيتبين للقارئ حقيقة القضية.

- الاتجاه الأول: ينبغي الإقلال من هذا العلم، لأنك بالاستكثار منه تفسد المعلوم! كالملح يفسد الطباخ به الطبيخ اذا كثر .. فأصحاب هذا التفسير ضد التوسع في دراسة العربية.

ففي نثر الدر:

(قيلَ: النحو مِلْحُ العلم، ومتى اسْتكْثر مِن الملح في الطَّعام فَسدَ.)

- وفي محاضرات الأدباء للأصفهاني:

(ذكر النحو عند المأمون فقال: علم يغنيك أدناه عن أقصاه. وقال أبو حنيفة: المكثر من النحو كالمكثر من غرس شجر لا يثمر. وقيل: النحو ملح العلم، ومتى استكثر من الملح في الطعام فسد.)

- وقال ابن رجب في فضل علم السلف على الخلف:

(وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحواً هو مما يشغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علماً نافعاً.

وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال أوله شغل وآخره بغي.

وأراد به التوسع فيه ولذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيدة توسعه في ذلك وقال هو يشغل عما هو أهم منه.

ولهذا يقال أن "العربية في الكلام كالملح في الطعام" يعني أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام وما زاد على ذلك فإنه يفسده).

وعلى التوجيه المعاكس:-

الاتجاه الثاني: أن وجه الشبه بين النحو والملح هو أنَّ كلاً منها مصلحٌ لما يوضع فيه؛ فكما ان الملح يصلح الطعام فكذلك النحو مع الكلام.

وفي هذا التوجيه حثٌّ على تعلم العربية ودراستها.

في مفتاح العلوم للسكاكي:

(واعلم أن حق وجه التشبيه شموله الطرفين فإذا صادفه صح وإلا فسد كما إذا جعلت وجه التشبيه في قولهم: النحو في الكلام كالملح في الطعام الصلاح باستعمالهما، والفساد بإهمالهما صح لشمول هذا المعنى المشبه والمشبه به.

فالملح إن استعمل في الطعام صلح الطعام وإلا فسد والنحو كذلك إذا استعمل في الكلام نحو عرف زيد عمراً برفع الفاعل ونصب المفعول صلح الكلام وصار منتفعا به في تفهم المراد منه.

وإذا لم يستعمل فيه فلم يرفع الفاعل ولم ينصب المفعول فسد لخروجه عن الانتفاع به وإذا جعلت وجه التشبيه ما قد يذهب إليه ذوو التعنت من أن الكثير من الملح يفسد الطعام والقليل يصلحه فالنحو كذلك فسد لخروجه إذ ذاك عن شمول الطرفين على الاختصاص بالمشبه به، فإن التقليل أو التكثير إنما يتصور في الملح بأن يجعل القدر المصلح منه للطعام مضاعفاً مثلا، أما في النحو فلا لامتناع جعل رفع الفاعل أو نصب المفعول مضاعفاً هذا وربما أمكن تصحيح قول المتعنتين ولكنه ليس مما يهمنا الآن.)

وفي الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني:

وإذا علم أن وجه الشبه هو ما يشترك فيه الطرفان علم فساد جعله في قول القائل: النحو في الكلام كالملح في الطعام، كون القليل مصلحاً والكثير مفسداً لأن القلة والكثرة إنما يتصور جريانهما في الملح وذلك بأن يجعل منه في الطعام القدر المصلح أو أكثر منه دون النحو فإنه إذا كان من حكمه رفع الفاعل ونصب المفعول مثلاً، فإن وجد ذلك في الكلام فقد حصل النحو فيه وانتفى الفساد عنه وصار منتفعاً به في فهم المراد منه وإلا لم يحصل، وكان فاسداً لا ينتفع به فالوجه فيه هو كون الاستعمال مصلحاً والإهمال مفسداً لاشتراكهما في ذلك.

ومما يتصل بهذا ما حكي أن ابن شرف القيرواني أنشد ابن رشيق قوله:

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم

وقال له هل سمعت هذا المعنى؟ فقال ابن رشيق: سمعته وأخذته أنت وأفسدته، أما الأخذ فمن النابغة الذبياني حيث يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو إمة وهو طائع

لكلفتني ذنب امرئ وتركته ... كذا العر يكوي غيره وهو راتع

وأما الإفساد فن سبابة المتندم أول شيء يتألم منه فلا يكون المعاقب غير الجاني وهذا بخلاف بيت النابغة فإن المكوى من الإبل يألم وما به عر البتة وصاحب العر لا يألم جملة.)

وفي فيض القدير للمناوي:

(قال الطيبي: هذا على التشبيه نحو قولهم النحو في الكلام كالملح في الطعام في إصلاحه باستعماله والفساد بإهماله لا في القلة والكثرة.)

وفي الافتتاح في شرح المصباح للأسود:

(وشبه النحو بالملح حيث قال: (كالملح في الطعام)، ووجه التشبيه بين الملح والنحو: أنَّ استعمال النحو في الكلام مصلحٌ له، وترك استعماله فيه مفسد له.

كما أنَّ استعمال الملح في الطعام مصلح له، وترك استعماله فيه مفسد، فيكون هذا الوجه شاملاً لطرفي المشبه بع والمشبه، ومن حق وجه التشبيه كونه شاملاً لهما.

ومن هذا عُلم فساد قول من قال: "ان وجه التشبيه بينهما هو أن القليل من هذا العلم مصلح له، كما أن القليل من الملح مصلح له لا الكثير منه"؛ لأن هذا الوجه مختص بالمشبه به وهو الملح دون المشبه وهو النحو.)

وفي التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور:

(ووجه الشبه إنما يراعى بما يسمح به عرف الكلام مثل قولهم: «النحو في الكلام كالملح في الطعام» فإن وجه التشبيه أنه لا يصلح الكلام بدونه وليس ذلك بمقتض أن يكون الكثير من النحو في الكلام مفسداً ككثرة الملح في الطعام.)

وفقكم الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير