[قصيدة أبو الحسن التهامي في رثاء ابنه والتي تعد من أعظم قصائد الرثاء والحكمة (كاملة).]
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[10 - 04 - 08, 11:30 م]ـ
قصيدة أبو الحسن التهامي في رثاء ابنه والتي تعد من أعظم قصائد الرثاء والحكمة كاملةً
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني الأعزاء هذه أول مشاركة لي في منتدى اللغة العربية وأرجو من الله أن تنال هذه المشاركة إعجابكم
قبل أن أورد القصيدة سأذكر شيئاً من سيرة الشاعر أبو الحسن التهامي
هوعلي بن محمد بن فهد، أبو الحسن التهامي الشاعر. وهو من الشعراء المحسنين المجيدين، أصحاب الغوص. مولده ومنشؤه باليمن، وطرأ على الشام وسافر منها، إلى العراق والى الجبل، ولقي الصاحب بن عبَّاد، وقرأ عليه، وانتحل مذهب الاعتزال، وأقام ببغداد، وروى بها شعره، ثمَّ عاد إلى الشام، وتنقَّل في بلادها، وتقلَّد الخطابة بالرّملة، وتزوَّج بها. وكانت نفسه تحدّثه بمعالي الأمور، وكان يكتم نَسَبَه، فيقول تارةً إنَّه من الطالبيِّين، وتارةً من بني أميَّة، ولا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين. وكان متورِّعاً، صَلِفَ النفس، متقشِّفاً، يطلب الشيء من وجهه، ولا يريده إلاَّ من حِلِّه. نسخ شعر البحتري، فلما بلغ أبياتاً فيها هجوٌ امتنع من كتبها، وقال: لا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ الناس. وكان قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً، ومعه كتبٌ كثيرة من حسَّان بن مفرّج بن دغفل البدوي، وهو متوجِّه إلى بني قُرَّة، فظفروا به، فقال: أنا من تميم؛ فلمَّا انكشف حاله عُلم أنه التهامي الشاعر، فاعتُقل بخزانة البنود بالقاهرة لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مائة. ثمَّ إنَّه قُتل سرًّا في سجنه، تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة. وكان أصفر اللون. ورُئيَ بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قيل له: بأيِّ الأَعمال؟ قال: بقولي في مرثية ولدٍ لي صغير، وهو: جاورتُ أعدائي وجاور ربَّهُ ... شتَّانَ بين جوارِهِ وجواري وهذه القصيدة قالها في رثاء ابنه وقد عُدت من عيون قصائد الرثاء والحكمه.
حكمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جار
ما هذه الدُّنيا بدار قرارِ
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً
حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها
صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها
متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ
وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّما
تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ
فالعيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ
والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ
فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما
أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ
وتراكضوا خيلَ الشبابِ وبادروا
أن تُسْتَرَدَّ فإنَّهنَّ عَوارِ
فالدهر يخدع بالمنى ويُغِصَّ إن
هَنَّا ويهدم ما بنى ببَوارِ
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً
خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ
إنِّي وُتِرْتُ بصارمٍ ذي رَوْنَقٍ
أعددتُه لطلابةِ الأوتارِ
أُثني عليه بأثرِهِ ولو أنَّهُ
لو يُغْتَبَط أثنيتُ بالآثارِ
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرَهُ
وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ
وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ
بدراً ولم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ
عَجِلَ الخُسوفُ عليه قبل أوانِهِ
فغطَّاهُ قبل مَظِنَّةِ الإبدارِ
واستُلَّ من لأقرانِهِ ولداتِهِ
كالمُقلَةِ استُلَّتْ من الأشفارِ
فكأنَّ قلبي قبرُهُ وكأنَّهُ
في طيِّهِ سِرٌ من الأسرارِ
إنْ تَحْتَقِرْ صغراً فربَّ مُفخَّمٍ
يبدو ضئيلَ الشخص للنُّظَّارِ
إنَّ الكواكبَ في علوِّ محلِّها
لَتُرى صِغاراً وهي غيرُ صغارِ
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فإذا مضى
بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ
أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً لهُ
وُفِّقْتَ حينَ تركتَ ألأم دارِ
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ
شتَّانَ بين جوارهِ وجواري
أشكو بعادك لي وأنت بموضعٍ
لولا الرَّدى لسمعتَ فيه سِراري
ما الشرقُ نحو الغرب أبعدَ شُقَّةً
من بُعد تلك الخمسةِ الأشبارِ
هيهاتَ قد علِقتكَ أسبابُ الرَّدى
وأبادَ عمرَك قاصمُ الأعمارِ
ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ
فبلغتَها وأبوكَ في المِضمارِ
فإذا نطقتُ فأنتَ أوَّلُ مَنطقي
وإذا سكتُّ فأنت في إضماري
أُخفي من البُرَحاءِ ناراً مثلَ ما
يُخفي من النارِ الزنادُ الواري
وأُخفِّضُ الزَّفَراتِ وهي صواعدٌ
وأُكفكفُ العَبَراتِ وهي جَوارِ
وأكُفُّ نيرانَ الأسر ولربَّما
غُلِبَ التصبُّرُ فارتمتْ بشَرارِ
¥