ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 05 - 08, 04:21 ص]ـ
وقال الشاطبي - رحمه الله - أيضا في المقاصد الشافية (3/ 456):
((وربما يظن من لم يطلع على مقاصد النحويين أن قولهم: "شاذ" أو "لا يقاس عليه" أو "بعيد في النظر القياسي" أو ما أشبه ذلك ضعيف في نفسه وغير فصيح، وقد يقع مثل ذلك في القرآن؛ فيقومون في ذلك بالتشنيع على قائل ذلك، وهم أولى -لعمر الله- أن يشنع عليهم، ويمال نحوهم بالتجهيل والتقبيح، فإن النحويين إنما قالوا ذلك لأنهم لما استقروا كلام العرب ليقيموا منه قوانين يحذى حذوها وجدوه على قسمين:
قسم سهل عليهم فيه وجه القياس ولم يعارضه معارض لشياعه في الاستعمال وكثرة النظائر فيه فأعملوه بإطلاق؛ علما بأن العرب كذلك كانت تفعل في قياسه.
وقسم لم يظهر لهم فيه وجه القياس، أو عارضه معارض لقلته وكثرة ما خالفه. فهنا قالوا إنه "شاذ" أو "موقوف على السماع" أو نحو ذلك؛ بمعنى أنا نتبع العرب فيما تكلموا به من ذلك ولا نقيس غيره عليه، لا لأنه غير فصيح، بل لأنا نعلم أنها لم تقصد في ذلك القليل أن يقاس عليه، أو يغلب على الظن ذلك، وترى المعارض له أقوى وأشهر وأكثر في الاستعمال، هذا الذي يعنون لا أنهم يرمون الكلام العربي بالتضعيف والتهجين، حاش لله، وهم الذين قاموا بفرض الذب عن ألفاظ الكتاب، وعبارات الشريعة، وكلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهم أشد توقيرا لكلام العرب، وأشد احتياطا عليه ممن يغمز عليهم بما هم منه برآء.
اللهم إلا أن يكون في العرب من بعد عن جمهرتهم، وباين بحبوحة أوطانهم، وقارب مساكن العجم، أو ما أشبه ذلك ممن يخالف العرب في بعض كلامها وأنحاء عباراتها فيقولون: هذه لغة ضعيفة، أو ما أشبه ذلك من العبارات الدالة على مرتبة تلك اللغة في اللغات، فهذا واجب أن يعرف به، وهو من جملة حفظ الشريعة والاحتياط لها. وإذا كان هذا قصدهم وعليه مدارهم فهم أحق أن ينسب إليهم المعرفة بكلام العرب ومراتبه في الفصاحة، وما من ذلك الفصيح قياس، وما ليس بقياس، ولا تضر العبارات إذا عرف الاصطلاح فيها)).
ـ[أبو قصي]ــــــــ[25 - 05 - 08, 04:05 م]ـ
بارَك الله فيكَ أبا مالكٍ، أستاذَنا الكريمَ،
في المقاصدِ الشافيةِ (3/ 558) بعدَ النقلِ الذي أوردتَّ بيسيرٍ نقلٌ نافعٌ عن ابنِ الضائعِ؛ قالَ: (والصحيحُ في المنع عدم ورود السماع به. وذلك أن التمييزَ كثيرٌ في الكلامِ؛ فأنْ لم يرد مقدَّمًا في موضع أصلاً - يعني في الكلام - دليلٌ على رفضِه).
قلتُ:
ويستفادُ من كلامِ ابن الضائعِ أنه استدلَّ على أنَّ ما وردَ من الشعرِ شاهدًا على التقديمِ إنما هو ضرورةٌ = بكثرةِ دورانِ المسألةِ في كلامِهم معَ عدمِ السَّماعِ؛ فتبيَّنَ بهذا أن نحوَ:
** وما كانَ نفسًا بالفراقِ تطيبُ **
ضرورةٌ. وأنه إنما يُحتجّ بهِ لو كانَت المسألةُ قليلةَ الدورانِ في كلامِهم؛ فيُرجعُ إلى الأصلِ؛ وهو الاحتجاجُ بالشعرِ على إثباتِ الأحكامِ، لعدمِ عارضِ الظنِّ.
وهذا الأمرُ الذي تنبّه إليه ابنُ الضائعِ مما ينبغي الالتفاتُ إليهِ في شأنِ القياسِ؛ وإن كانَ لي فيهِ نظرٌ. وذلك من وّجوهٍ؛ منها: أنّه يستغنى عن السماع بأمرينِ:
الأولُ: قاعدةُ (أن ما تصرّفَ في نفسِه جازَ تصرّفُه في معمولِه).
الثاني: عدمُ الفرقِ؛ فإذا كانَت الحالُ يجوزُ تقدّمُها على عاملِها، فكذلكَ التمييزُ؛ إذ لا فرقَ. والعربُ لا تفرقُ بينَ الأحكامِ إلا لعلةٍ؛ وإلا كانَ كلامُها مبنيًّا على تخرُّصٍ واضطرابٍ. وهذا لا يتصّورُ أصلاً؛ إذْ كانت أحكامُها موكولةً إلى عقولِها الباطنةِ؛ والعقولُ الباطنةُ لا تفرقُ بينَ الشيئينِ إلا لعلةٍ تلحظُها؛ ولا نرى هنا علةً صحيحةً. وما ذكروه تكلّفٌ ظاهرٌ. وليس هذا موضعَ الكلامِ عليهِ.
ويمكن أن يكتفى في الردِّ عليهم بالقاعدةِ التي ذكرتُ؛ ويكون تصرّف الحالِ فردًا من أفرادِ القاعدةِ.
أبو قصي