تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكرتُ قبلُ أن (همّه)، و (أهمّه) بمعنى (أحزنَه، وأقلقَه) مشتقةٌ من (همَّ الرجلُ الشحمَ) ونحوِه: إذا أذابَه. وبينتُ علاقةَ الاشتقاقِ. فإن قلتَ: قد علمنا أن (همّه) بمعنى (أقلقَه) مشتقّ من (همّ الشحمَ) بمعنى (أذابَه)؛ ولكن كيفَ تقولُ: إنّ (أهمّه) مشتقّ من (همّه) معَ أنّ الأولَ متعدّ بالهمزةِ، والآخر متعدّ بنفسِه؟ قلتُ: إنّهم لمّا اشتقّوه منه عاملوه معاملةَ المستقلِّ؛ إذْ كانَ مفارقًا بعضَ المفارقةِ معنَى المشتقِّ منهُ؛ فزادوه بناءً من طريقِ ما يُسمّى (التصرُّفَ بالزيادةِ). وهذا بابٌ واسعٌ، لطيفُ المسلكِ، منه ما يُسمَّى (التصرُّفَ بالتغييرِ)؛ مثالُه (بعِد يبعَد بعَدًا) أي: هلكَ؛ فإنّهم اشتقّوه من (بعُد) المضادِّ للنأيِ؛ وعَلاقةُ الاشتقاقِ (العموميةُ)؛ فإنّ كلّ هلاكٍ بُعدٌ. ومما يكشِف لك هذا قراءةُ أبي عبدِ الرحمن السُّلَميّ: (ألا بُعدًا لمدينَ كما بعُدت ثمود)، وقولُ مالكِ بن الريبِ التميميّ:

يقولون: لا تبعَد وهم يدفنونني ... وأينَ مكانُ البُعْدِ إلا مكانيا

ألا ترى أنه ردّه إلى (البُعْد)، ولم يردّه إلى (البَعَد)؛ فهذا يشهدُ أنَّ بينَهما آصرةً عاطفةً.

فخصّصوا الهَلاك بهذا البناءِ، وخرجوا بهِ عن عمومِ دلالةِ لفظ (بعُد) اتساعًا، وتصرُّفًا.

فأمّا دليلُ (همّ) المجرّد بمعنى (أحزنَ)، فبيّنٌ، لموضعِه الصريحِ من الاشتقاقِ. وأمّا (أهمّ) بالمعنى نفسِه، فكثيرٌ، ولا أظنّ فيهِ خلافًا. أمّا دليلُ (أهمّ) بمعنى (عنَى ودعا إلى اليقَظةِ والتدبير) فقولُه تعالى: {وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسُهم}؛ فلم يبقَ إلا النظرُ في (همّه) بالمعنى الثاني؛ وهو (ما يدعو إلى اليقَظةِ والتدبيرِ)؛ فإذا قلنا: إنّ دلالة (أهمه) على المعنى الثاني من قِبَلِ (الاستئثارِ اللفظيّ) - وقد ذكرناه -؛ وهو سبيلٌ قاصِد من سُبِلِ التصرّفِ الدَِلاليّ، فلا جرمَ أنّ (همّ) المجرّدَ يشرَكه في ذلك؛ إذْ العلةُ الموجبةُ في المزيدِ هذا التصرفَ ثابتةٌ بعينِها في المجرّدِ؛ فيكون (همّه) بمعنى (دعاه إلى اليقَظةِ والتدبير) كما كانَ (أهمّه) بهذا المعنى، لأنَّ دلالتَهما على ذلكَ بالتفريعِ، لا بالأصالةِ؛ وبينَ هذينِ فرقٌ في الحُكمِ. وإنْ خالفْنا ابنَ فارسٍ فادّعينا أنّ لمادّة (همّ) أصلينِ، أحدُهما ما يدلّ على ذوَبانٍ ونحوِه، والآخر ما يدلّ على قصدٍ وعزمٍ؛ فإنّ (أهمّه) بالمعنى الثاني يكونُ بمعنى (حملَه على القصدِ والعزمِ والتدبيرِ)؛ فيكونُ قولُهم (همّ بهِ) مطاوِعًا في المعنى لا في البناءِ لهُ؛ كأنه (أهمّه فهمّ بهِ)، وتكونُ الهمزةُ للجعلِ، لا للإيقاعِ المباشرِ. وكلا القولين وجهٌ ومذهبٌ. والذي أختارُ الأولُ؛ فإن اخترتَ الأوّلَ، فمقتضَاه جواز (همّه) بمعنى (عناه)، وإن اخترتَ الثانيَ، لم تُجِزْ هذا. والله أعلمُ.

أبو قصي

ـ[أبو قصي]ــــــــ[25 - 04 - 08, 03:00 ص]ـ

أخي / أبا عائشة

هو كما ذكرتَ!

بارك الله فيك.

أبو قصي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير