تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن من يمضي في قراءة المقدّمة –وهي الفصل الأوّل من الكتاب- يدرك من الوهلة الأولى أنّ الرجل لا يبتغي نقداً ولا إصلاحاً، بل هدماً كاملاً، لا لقواعد العربيّة فحسب، بل للعربيّة نفسها، تلك اللغة التي ما فتئ ينعتها بالقِدم، وأنّ "مفردات أجدادنا العرب القدامى غير كافية لاستيعاب كافة المسميات في أيّامنا المعاصرة" (3)، ولذا –والدعوة له- لا بدّ من اعتماد اللهجات بديلاً لهذه اللغة، كما سيأتي بعد قليل.

ولا ريب أنّه كلام غريب لا يصدر إلاّ عمّن ينظر إلى اللغة على أنّها كائن جامد، وإلاّ فكيف يطلب من لغة أن تستوعب منذ نشأتها "كافة المسميات في أيامنا المعاصرة".

إنّ اللغة كائن حيّ، وهي في كل مرحلة من مراحل حياتها تستوعب بفضل من يتكلمون بها مسميّات عصرها، وإنْ مسَّها شيء من الجمود أو الوهن فمِن هؤلاء وليس منها، ولعلّ ما في العربيّة من علائم الخصوبة يجعلها أكثر اللغات قدرة على استيعاب كلّ جديد.

وكان حريّاً به أن يشعر بشيء من الغيرة عندما يرى لغة كالعبريّة، وهي لغة غابت عن ساحة التخاطب أكثر من ألفي سنة، كيف استطاع متعلّموها أن ينهضوا بها ويجعلوا منها لغة تواكب العصر، ولعلّ الذي لا يعرفه المؤلف أن كتب النحو العربي كانت متكأً لهؤلاء في بناء قواعد لغتهم، فهل هذا مما جناه سيبويه على غير العربيّة أيضاً، أم أنّها وجدت قوماً يهتمون بلغتهم ويُعلون من قدرها، لأنها الرابط المتين لهم؟؟ ‍‍!! لا كالذي تلقاه العربية من أبنائها.

ومهما يكن فقد عرض الكاتب في المقدّمة الأسباب التي تدعوه إلى اطّراح قواعد العربيّة، ويمكن إجمالها فيما يأتي:

1 - إنّ هذه القواعد غير منطقيّة ولا عقلانية، طالباً من "السادة النحاة وعلماء اللغة أن يوسعوا صدورهم، ويشاركوه في قراءة الكتاب ليعرفوا إذا ما كانت قواعد لغتنا معقلنة أو منطقيّة" آملاً "أن يحكّموا عقولهم وضمائرهم" (4).

ولا بأس أن ننتظر حتى يلقي عصاه، فلعلّ قواعدنا، كما يزعم المؤلف، هي على الوصف الذي يراها عليه.

2 - إنّ هذه القواعد "لم تستطع أن تؤدّي دورها المطلوب، بينما استطاعت لغتنا العريقة والجميلة!! أن تنتشر لتختلف اللهجات فيها"، وعليه فنحن لا نحتاج إلى "أن نتكلّم بلغة منمّقة مقعّدة" بل يكفينا اعتماد اللهجات، لأنّ الأذن تألفها، واللهجة المثلى التي ارتضاها المؤلف أمرها هيّن، إذ "يمكن لأي فرد عربيّ أن يفهم الحوار في الأفلام والتمثيليات والبرامج المصريّة، علماً أنّها تتكلم اللهجة المصريّة المحكيّة البعيدة كليّاً عمّا يسمّونه اللغة العربيّة الفصحى" (5).

ولا ريب أنّ دعوته إلى اعتماد اللهجات ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، والخوض في هذه المسألة هو من المعاد المكرور، لكنّ الذي غاب عنه، وربما عن غيره من أصحاب هذه الدعوة، أنّ القواعد لم تكن في يومٍ من الأيّام سبباً في نشوء اللهجات، فلهجات العربيّة قديمة، عاشت وترعرعت قبل أن تولد القواعد. وأمّا لهجة الأفلام والتمثيليات المصريّة- ولكي لا نظلمه، فقد اختار لنا القديمَ منها –ففيها راحة للبال لا شك، لكننا لسنا بحاجة بعدها إلى لغة علم أو اقتصاد أو سياسة .. فنحن أمّة تفيض جوانحنا عاطفة، وما في هذه الأفلام قد يروي ما عندنا، وأمّا مَن لا هوى له في تلك الأفلام فلعلّ المؤلف سينتخب له لهجة أو لُغَيّة أخرى، وأفلاماً غيرها يميل إليها ذوقه وينهض بها لسانه!!.

3 - إنّ تعقيد القواعد سببٌ رئيسيّ لعدم انتشار العربيّة (6):

ولا ندري علام استند الكاتب في مثل هذا الحكم، فكأنّه يستخفّ بعقل القارئ، لأنّ اكتساب اللغة لا يشترط فيه دَرْسُ القواعد وتعلّمها، وإلاّ فكيف يكتسب الطفل لغته، وكيف يكتسب العامل الأميّ غير لغته حين يقيم في بلدٍ آخر.

وإن سلّمنا بما يقول فكيف نفسّر انتشار العربيّة بعد الفتوح الإسلاميّة خارج جزيرة العرب على ألسنة من دخلوا الإسلام من غير العرب حتى قبل ظهور القواعد.

4 - إنّ هذه القواعد لم يضعها العرب "لأنّ سيبويه كونه فارسي الأصل قام بوضع قواعد لأمثاله في ذلك الوقت كي لا يلحنوا في لفظ كلمات اللغة العربيّة" (7).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير