والأمر الآخر الذي أخفاه الكاتب عن قارئه هو أنّ اسم الإشارة يجب أن يتلوه الاسم المشار إليه لأنّ اسم الإشارة مبهمٌ بذاته، لا يدلّ على محدّد، وهذا المشار إليه قد يكون غير مذكورٍ في التركيب اللغوي، لأنّه مفهومٌ عند السامع، فحين يقول أحدنا لصديقه: ما هذا؟ فإنّ المتكلّم والسامع يعرفان الشيء المشار إليه، وبذلك تكون الجملة واضحة المعالم، تامّة، ذات مدلول، بل إنّ هذه الجملة أعرف من قولنا "مَن القادم؟ " لأنّ المتكلّم ههنا يجهل القادم، بخلاف الأوّل، فإن المسؤول عنه حاضرٌ مُشَاهَد (25).
وتعمَّد الكاتب أيضاً أن يحذف (ها) التنبيه التي تقترن عادة باسم الإشارة (ذا)، مع أنّ حذفها في مثل هذا التركيب، أي بعد (ما) الاستفهامية لا يكاد يُعْرَف إلاّ في بيت أو بيتين التقطهما النحاة من شوارد الأشعار (26).
ثمّ إنّ قوله: "بعض النحاة يعتبرون (ماذا) جملة ... " فيه إطلاقٌ وتعمية، لأنّ هؤلاء لا يعدّونها كذلك إلاّ إذا تعيّن أن تكون (ذا) اسم إشارة، وهو أمرٌ نادر أيضاً لم يقع إلاّ في بيت من الشعر أو بيتين (27) مسلّمين بأنّ (ماذا) أكثر ما تستعمل في كلام العرب مركّبة من (ما) الاستفهاميّة و (ذا) الموصوليّة، أو أنّها بتمامها اسم استفهام.
7 - الأفعال الناقصة:
أقحم الكاتب الأفعال الناقصة في باب الجملة الاسميّة، ولا أدري إن كان هذا من قبيل السهو، أم أنّ عدّها من الجمل الاسميّة هو ضرب من الإصلاح والنقد!!
ومهما يكن فقد تناولها من زاويتين:
أ-تسميتها "ناقصة" أمرٌ غريب:
قال: "في التسمية أمرٌ غريبٌ فعلاً، يبينّه المثال (نام زيد) ففعل (نام) هنا تام، في حين أنّ فعل (أمسى) في المثال (أمسى زيد) ناقص" (28).
والحقّ أنّ الغرابة تكمن في طريقته في مسخ الأمثلة ظنّاً منه أنّها تؤدّي إلى ما يرمي إليه من أنّ النحاة وهموا حين قسموا الفعل إلى تامّ وناقص، فما الفرق بين نام وأمسى في المثالين، وكلاهما –في اعتقاده- بمعنىً واحد. هذا إذا أحسّنا الظنّ به وأنه قرأ شيئاً ممّا قاله النحاة في الأفعال الناقصة لكنّه لم يع كلامهم، وإلاّ فما انتهى إليه إنما هو محض افتراء وعبث، إذ لم يقل أيٌّ منهم إنّ (أمسى) في نحو هذا المثال الذي ساقه ناقصة، بل هي تامّة مكتفية بمرفوعها الذي هو فاعل لها، ومدلولها شيء واحد هو الدخول في وقت المساء، نقول: دخلنا دمشق وقد أمسينا، أي صرنا في وقت المساء، أمّا إذا جُعِل معناها في الاسم المنصوب بعدها –وهو الذي غيّبه الكاتب أو غاب عنه- كانت ناقصة، فيقال حينئذٍ: أمسى زيدٌ مريضاً، وغالباً ما تتضمن في هذه الحالة معنى الصيرورة أو التحوّل.
فالفعل أمسى إذاً، شأنه شأن الأفعال الناقصة، له استعمالان: إذا تضمّن معنى الحدث كان تاماً، فيكتفي حينئذٍ بمرفوعه، وإذا كان الحدث لا يظهر إلاّ في الاسم المنصوب بعده، وهو الخبر، عُدَّ ناقصاً.
ب-ما في القرآن يخالف قواعد النحويّين:
فالنحاة زعموا أنّ الأفعال الناقصة ترفع اسماً وتنصب خبراً، ونحن "نجد أنّ القرآن الكريم قد خالف ذلك صراحة، حيث يقول عز وجلّ (فَسُبحانَ الله حين تمسون وحين تصبحون ([الروم:
17] .. "
فوقع الفعلان تامّين، خلافاً لما يزعمه النحاة، والسؤال بعد ذلك هو "هل لنا أن نعرف الفرق بين الفعل التامّ والناقص؟ وهنا نجد مَنْ يقول: مهلاً فهذا شذوذ، ولكلّ قاعدة شذوذها، وأنا أقول له: هذا خروجٌ صريحٌ يا سيّدي وليس شذوذاً، شئت أم أبيت، وإنّه ليستوي عندي إذا قلت: كان أحمدُ فائزاً، أو قلت: كان أحمدَ فائزٌ، أو قلت كان أحمدُ فائزٍ، أو قلت: كان أحمدْ فائزْ .. " (29).
ولست أدري إن كان هذا الصراخ نقداً يستحق الردّ عليه، ومهما يكن فإن في كلامه سعياً إلى تغييب حقائق اللغة، ومحاولة لقتل القدرة التعبيريّة الهائلة للعربيّة، وفيه أيضاً تجاهلٌ، وربما جهلٌ بجهود النحويين في وصف أحوال هذه اللغة، ولا يخلو أخيراً من مسٍّ بلغة العرب، لغة القرآن الكريم وفصاحتها.
¥