تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فما ذكره أولاً أنّ ما في القرآن مخالفٌ لقواعد النحاة، بدليل مجيء أمسى وأصبح وكان تامّةً = مبنيّ على مغالطة وجهالة، لأنّ قواعد العربيّة إنما شيّدت قبل كل شيء على النّص القرآني، والدارس لقواعد النحاة لا يداخله شكّ في أنّ ما قام به هؤلاء النحاة ما هو إلاّ وصفٌ أمين للغة القرآن، ووقوعُ بعض الأفعال الناقصة تامّة مكتفية بمرفوعها في بعض استعمالاتها أمرٌ لا يقتصر على القرآن وحده بل هو شائعٌ في كلام العرب شعراً ونظماً، وهو أمرٌ عرفه النحاة قبل المؤلّف ورصدوه رصداً دقيقاً، وانتهوا بعد الاستقراء إلى أنّ الأفعال الناقصة تزول عنها هذه الصفة إذا استعملها المتكلّم متضمنّة معنى الحدث، دالّةً على معناها الأصلي الذي وضعت له، والنحاة كما أسلفت هم الذين وقفوا على أمر هذه الأفعال وتبيّنوا أحوالها، وساقوا من الشواهد ما يدلّ على ذلك، وهي شواهد لا شذوذ فيها إلاّ في مخيّلة المؤلّف، بل هي من تمام القاعدة، فانقسام (كان) إلى تامّة وناقصة شيء يعود إلى طبيعة استعمالها في السياق، وهو ضربٌ من الاتساع في التعبير الذي اتسمت به العربيّة، وانقسام (كان) إلى هذين القسمين لا يختلف عن انقسام (رأى) إلى بصريّة تتعدّى إلى مفعول واحد، وقلبيّة تتعدّى إلى مفعولين، ولا يختلف أيضاً عن قولهم إنّ (جَعَل) تُستعمل بمعنى صيَّر فتتعدّى إلى مفعولين، وبمعنى (أنشأ) فتكون فعلاً ناقصاً من أفعال الشروع، وبمعنى (ظنّ) .. وبمعنى (وجَدَ) ... ومثل هذا كثيرٌ في العربيّة، وهو دليلُ غِنى في وسائل التعبير، لا الشكل.

ولو سلّمنا بمخالفة القرآن لما في القواعد لانتهينا إلى مخالفة القرآن نَفْسَه، لأنّ هذه الأفعال الناقصة استعملت في القرآن ما يزيد على ألف مرّة، منها ما وقعت فيه ناقصة، وهو الأكثر، ومنها ما وقعت فيه تامّة اكتفت بمرفوعها (30)، وعليه فإنّ هذه الأفعال –سيقودنا إليه المؤلف- استعملت بشكل عشوائيّ، مرّة تكتفي بمرفوعها، وأخرى لا تكتفي به بل تحتاج إلى ما يتمّم معناها، وهو المنصوب بعدها، وهكذا فاللغة العربيّة عبثية، وإذاً يجب أن نستبدل بها لغة أخرى (إفرنجية)!!.

أمّا تساؤله عن الفرق بين الناقص والتام من الأفعال فجوابه أنّ مبتدئاً لو سمع قولنا (بات الرجل في الفندق) وقولنا (بات الطريق معبّداً) لأدرك بفطرته الفرق بين الفعلين، وما ذكره أخيراً من أنّ الحركات لا قيمة لها، وإنّه ليستوي عنده ... أمرٌ يعنيه وحده، كما قال.

8 - الأحرف المشبّهة بالفعل:

أ-من المضحك قول النحاة: "إذا خُفِّفت (إن) بطل عملها وأصبحت نافية: قال: "علينا أن لا نلوم الطالب ودارس قواعد النحو إذا كان ضعيفاً في فهمه للأمور النحويّة، لأنّها في أصلها لا تستند إلى منطق سويّ سليم، والمضحك أنّ (إنّ) إذا كانت مخففة بطل عملها وأصبحت حرف نفي .. كما في قوله تعالى (وإنْ كلٌّ لَمَا جميع لدينا محضرون ([يس: 32]، فـ إنْ ههنا ليست حرفاً مشبهاً بالفعل، ولكنها [أي في زعم النحاة] إن المخففة تصحو من جديد وتعمل عمل إنّ المشدّدة، كما في قوله تعالى: (علم أن سيكون منكم مرضى ([المزمل: 20] " (31). هذا كلامه، وأقلّ ما يقال فيه أنه افتراءٌ على النحاة، واستخفاف بعقل القارئ وقبْل ذلك دليل جهل بأساليب العربيّة وكلام النحاة، ولا أظنّ عاقلاً فهم من ظاهر عباراته شيئاً، فكيف تكون المخففة نافية، وكيف تصحو لتعمل عمل "إنّ"، وكيف أنها إذا عملت لا تعدّ حرفاً مشبهاً بالفعل ... !!

وهنا أراني مضطراً إلى إيضاح ما اختلط في ذهنه من كلام لعلّه قرأه ولم يستوعبه حتى صار هو الآخر "ضعيفاً في فهمه للأمور النحويّة":

لقد أجمع نحاة البصرة على أنّ (إنّ) قد تخفّف في كلام العرب، وانتهوا إلى أنّ الأكثر فيها بعد التخفيف أن تكون غير عاملة، جرياً على المسموع، وقلّة من العرب أبقوها عاملة، وبلغتهم قرأ بعض القراء (وإنْ كُلاًّ لَمَا ليوفينّهم ربُّك أعمالهم ([هود: 11]، إذ خُففت (إنْ) وظلت عاملة عمل المشدّدة. وعند البصريين أنّ هذه الأداة حرف إثبات سواء عملت أم أهملت.

أمّا نحاة الكوفة فمذهبهم أنّ هذه الأداة لا تُخفف أصلاً، وما ورد من شواهد زعم البصريون أنّها فيها مخففة مردودٌ بأنها حرف نفي واللام بعدها بمعنى إلاّ (32).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير