تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رسالة الإمام ابن لبّ الغرناطي في مسألة تعيين محل دخول الباء]

وقد ألف في هذه المسألة الإمام أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُبَ الغرناطي رسالة حسنة، ولا بأس بإيرادها هنا لتستفاد، قال:

الحمد لله الذي جعل العلوم الشرعية مناهل صافيةً تورد، ومصابيح نيِّرةً توقد، وقيّض لها حملة مجالسها عليهم تُعقد، وأحاديثها لديهم تنشد، وزيفها لديهم ينقد، وضالتها عليهم تنشد، والصلاة والسلام على نبيِّه ورسوله أفضل صلاة تامة، وأزكى سلام سرمديّ مؤبَّد.

وبعد فإني سئلت عن مسألة تعيين محل دخول الباء من مفعولي بدَّل وأبدل وما يراجع إليهما في المادّة. وكان الذي حمل السائل على السؤال عن ذلك أنه سمع بعض علماء اللسان ينكر مثل قول القائل: فعمّا قليل يبدّل العُسْرُ باليُسْر، يزعم أنه لحن، خارج عن كلام العرب، وأن صواب الكلام يبدّل اليُسر بِالعسر، أَي يجعل اليُسر بديل العُسْرِ وعِوَضه. قال: فإنما تدخل الباء بعد هذا الفعل أبدا على المتروك، ويجرّد الحاصل منها، فهو الذي يقام مقام الفاعل على اللزوم. فصوّبت للسائل ذلك المقال، وأنكرت ذلك الإنكار. فسألني تقييد المسألة ببسط وبيان، فقلت في الجواب، والله سبحانه المستعان:

إن لأفعال هذه المادة في الاستعمال أربعة أوجه:

أحدها: أن يقصد بالتبديل أو الإبدال تغيير الشيء بنقله وتحويله، فيتعدى إلى اسمين منقول ومنقول إليه، ومحل دخول الباء في هذا الوجه إنما هو العوض الحاصل، ويجرّد المتروك لأنه المغيّر، فإنما تريد أخلفت هذا بذاك ونسخته به، وعلى هذا يصح ما أنكره المنكر. قال ثعلب: "التبديل تغيير الصورة إلى غيرها"

وقال الفراء: "كل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، وقد يجوز التخفيف"

وقال ابن النحاس: "بدّلت خاتمي أي غيّرته"

وقال الزمخشري في قوله تعالىِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ}: "التبديل هو التغيير، كقولك: بدّلتُ الحلْقة خاتما، إذا أذبتها وسويتها خاتما، فنقلتها من شكل إلى شكل، قال: فهو تغيير في الصفات. قال: وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلتُ الدراهم دنانير".

وقال في قوله تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً}: "كأنهم غّيروا شكرها الواجب عليهم إلى الكفر، لما وضعوا الكفر مكانه".

ومما يدخل تحت ترجمة التغيير قوله تعالى: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}.

ومما جاء من هذا مع دخول الباء على الحاصل قول حبيب:

بِسَيْبِ ابب العبّاسِ بُدّلَ ازلُنا بخفْضٍ، وصِرْنا بَعْدَ جَزْرٍ إلى مَدِّ

فأدخل الباء على الحاصل حين رفع المتروك. ومنه قول أبي الطيّب:

أبْلَى الأجِلَّةَ مُهْري عند غيرِكُمُ وبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ والرَّسَنُ

يقول: طال مقامي عند غيركم لأنه أكرمني، ولم يسأم مثواي عنده، حتى بلي جُلُّ مهري بطول مكثه على ظهره، وتعوّض منزل الفسطاط من عذاره ورسنه.

وقوله أيضا من قصيدة يمدح بها كافورا، وكان أسود:

مَنْ لبيضِ المُلوكِ أنْ تُبْدل اللو نَ بِلَوْنِ الأستاذ والَسَحْناءِ

يقولَ: من للبيض من الملوك أن يُبدلوا ألوانهم بلون هذا الممدوح وسحنائه.

ومنه قول المعرّي:

يقولُ إنَّ زماناً يَسْتقيدُ لهم حتى يُبَدَّل من بُؤْسٍ بنعماءِ

أي حتى يعوَّض من هذه بهذه. وقد يدخل هذا البيت في الوجه الثالث بعد هذا بتقدير حتى يبدلهم

ومن هذا الوجه البيت الواقع في السِّير، وقصيدة عديّ بن زيد العبّادي وهو قوله:

وبُدِّلَ الفَيْجُ بالزُّرافةِ والـ أيامُ جُوْنٌ جَمٌّ عَجائِبُها

وذلك أن الفيج في البيت هو المنفرد في مشيه، والزّرافة الجماعة، يعني بها الكتائب التي ذكر في القصيدة قبل هذا في قوله:

ساقتْ إليها الأسبابُ جُنْدَ بني الـ أحرار فُرسانُها مواكبُها

حتى رآها الأقوالُ من طَرَفِ الـ مَنْقَلِ مُخْضرَّةً كتائِبُها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير