تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفهم حركة التاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى النية المبيتة لتشويه التاريخ الإسلامي، وأعجب بهم المستغربون وأصبحت المعادلة عندهم: ما دام هؤلاء يتقصون هذا التقصي في تفسير النصوص ومدلولاتها فلا بد أن يكونوا محايدين.

ووقع المسلمون بين قديم ينظر له باحترام وإنصاف ولكنه لم ينق من الروايات المكذوبة وبين ما كتبه المستشرقون وتلامذتهم وفيه ما فيه من دس وافتراء متعمد.

4 - استغل أصحاب الاتجاهات المنحرفة بعض الروايات الضعيفة أو الموضوعة في الموسوعات التاريخية القديمة أو تحليلات المستشرقين المشوهة، استغلوا هذا في المدارس والجامعات وغرسوا في نفوس الشباب المتعلم أن تاريخنا لا يعدو أن يكون أحداثاً دموية يتلو بعضها بعضاً وأنه إذا استثنينا الخلفاء الراشدين، بل إذا استثنينا فترة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فكل تاريخنا صراع على الحكم وترف وفساد في القصور .. وعظمت المصيبة بأمثال هؤلاء، والمتعلم الناشئ يتأثر بما يقال له، وأصبح الشباب في حيرة واضطراب، فعندما يسألون عن كتب التاريخ لترشدهم إلى الحقيقة لا يجدون أمامهم إلا كتب الموسوعات الكبيرة التي من الصعب على أمثالهم الرجوع إليها، أو الكتب المعاصرة وفيها من الجهل والتشويه الشيء الكثير، وبذلك أيضاً عظمت التبعة على المسلمين وبدأ المخلصون في التصدي لهذا التيار فكتبت دراسات حول هذا الموضوع (4)، وصنفت كتب في التاريخ الإسلامي، هي أفضل بكثير مما كتب في المرحلة السابقة (5)، ولكن كتابة التاريخ الإسلامي هي أكبر من هذه الجهود، ولا تزال بحاجة إلى توضيح وبيان، وصياغة جديدة، والدخول في التفصيلات بعد التعميمات.

وهذا المقال محاولة من هذه المحاولات لعله يكون وغيره ارهاصاً بين يدي كتابة التاريخ الإسلامي من جديد إن شاء الله.

التفسير الإسلامي للتاريخ:

يلح القرآن الكريم - لمن تدبره وعقله - على أهمية السنن التي وضعها الله سبحانه وتعالى لهذا الكون، ولتسير فطرة الإنسان عليها، وهذه السنن صالحة، صلاحاً شاملاً لأنها غير مقيدة بالزمان أو المكان، ويعتقد المسلمون أن تاريخ الأمم وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته ما هي إلا تفاصيل لجزئيات هذه السنن وعرّفنا الله سبحانه من الأسباب الكلية للخير والشر (6).

إن حوادث التاريخ هي من صنع الإنسان حقيقة، ولكنها تجري حسب حكمة الله وعدله ومشيئته المطلقة في توجيه شؤون البشر ((وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) [آل عمران:140]، كما أن الإنسان عندما يفعل الخير أو الشر له مشيئة حقيقية بها يحاسب ويجازى والله خلقه وخلق مشيئته، قال تعالى: ((ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)) [الروم:41].

((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)) [الأنعام:44].

((إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) [الرعد:11].

والله سبحانه وتعالى يحب دفع الشر في الأرض وهو من سننه الكونية، كما قال: ((ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)) [البقرة:251].

ولكن هذا الدفع يجب أن يقوم به أولياؤه المتقون، فيجاهدون في سبيله، فإذا لم يقوموا به لم يندفع، وعندئذ تتحول الحياة البشرية إلى مستنقع آسن من الشرور.

وإذا كان الغرب ومؤرخوه قد تنقلوا بين نظريات كثيرة لتعليل أحداث التاريخ، ما بين التأكيد على الجانب الغيبي (7)، وما بين بروز النزعات المادية كالتفسير القومي (8) أو التفسير المادي (9)، كما ظهر التفسير التشاؤمي عند (اشبنجار) (10)، ونظرية التحدي عند (توينبي) (11)، هذه النظريات وإن كان في بعضها شيء من الحق (12) إلا أن التفسير الإسلامي للتاريخ يختلف ابتداءً عن النظرة الغربية لأنه ينطلق في الأصل من تكريم الله للإنسان، وأن الله خلق هذا الإنسان لعبادته، وسخر له كل ما يحتاجه لعمارة هذه الأرض، وأرسل الأنبياء وأنزل الكتب ليكون أبلغ في العذر، وهذه الحياة الدنيا مؤقتة، والحياة الأخرى هي الباقية، وأوج الحضارة عند المسلم هو عندما يحقق ما يريده الله منه، وما خلق من أجله، وعندئذ يكرم بالاستخلاف في الأرض، وليست قمة الحضارة بقدر ما يمتلكه من الأشياء وأدوات الترف والغنى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير