تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والموقف الأول من حيي بن أخطب، يبين لك كيف كانت معاملة النبي – صلى الله عليه وسلم – للأقليات الدينية في المدينة، من حسن خُلق، وكريم فضل، وتعاون على الخير؛ فضلاً عن تلك الوثيقة التي جمعت بين المسلمين والفصائل الأخرى والتي كان من شروطها الواضحة:

" وَإِنّهُ لا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالاً لِقُرَيْشٍ وَلا نَفْسَهَا، وَلا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ" [ابن هشام: 1/ 502].

ومادة أخرى مخصصة لقريش تقول:

" وَإِنّهُ لا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلا مَنْ نَصَرَهَا " [ابن هشام 1/ 503].

ومادة عامة تقول:

" وَإِنّهُ لا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلا يُؤْوِيهِ، وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." [ابن هشام: 1/ 502].

ولا شك أن الأخلاق النبوية في التعامل مع الأقليات وهذه الشروط التي وقّع عليها اليهود دفعت حيي بن أخطب للوفاء، فجعلته يرد أبا سفيان.

إنه درس للقيادة الإسلامية أن تستخدم المحورين في التعامل مع الأقليات غير الإسلامية؛ أن تحسن استخدام المحور الأخلاقي من حسن التعامل والرفق، وأن تحسن استخدام المحور القانوني بعقد المواثيق والاتفاقات التي تُلزم الأقليات غير الإسلامية باحترام الدين الإسلامي والعمل على حفظ سلامة الوطن.

...

والموقف الثاني من سَلامِ بْنِ مِشْكَمٍ – قبحه الله -، يبين لك أن اليهود ليسوا سواء، فمنهم من يصون ومنهم من يخون، على أن الخيانة في غالبهم، والفسق في معظمهم، قال الله تعالى:

" وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم، مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " [آل عمران110].

وقال:"لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ " [آل عمران:113].

ثم يبين لك خطر الخيانة عندما تكون من داخل الدولة، وخطر اليهود عندما يكونون في بقعة من بقاع الأرض، وأن سواد اليهود لا يحترمون عهدًا ولا ميثاقًا، فهذا اليهودي الخائن زعيم قومه استضاف العدو على الأرض الإسلامية، وأطعم وسقى وأسمر، واشتغل بدور الجاسوس، فأخذ يرشد الأعداء عن أفضل الطرق للإيقاع بالمسلمين، وأنجع الوسائل لفض عروة الوطن.

تجريم قتل المدنيين وإفساد المزارع

وخَرَجَ أبو سفيان من دار سلام بن مشكم، وقد حرضه الأخير، وحفّزه وبصّره، وتوجه أبو سفيان إلى معسكره، فَبَعَثَ مفرزة إلَى الْمَدِينَةِ يقودهم.

فَأَتَوْا إلى منطقة زراعية من أطراف المدينة (يقال لها الْعَرِيضُ في طرف حرة واقم) - فقتلوا رجلين يعملان في الحرث – أحدهما معبد بن عمرو الأنصاري، والثاني: أجيره كان يعمل له في زرعه- وأحرقوا نخلاً، وَحَرّقَوا بَيْتَيْنِ، وتبنًا، وفروا عائدين إلى مكة [انظر: ابن سعد: 2/ 30 وابن هشام 2/ 45].

...

وأسلوب النهب والسلب وقتل المدنيين معهود من أعداء هذه الأمة قديمًا وحديثًا، وقد حرم الشرع الإسلامي السمح قتل الأبرياء في الحرب لا سيما الزراع والأجراء، كما حرم هدم البيوت والمعابد. بيد أن الصليبية القديمة والحديثة لم تدخر جهدًا في انتهاك حقوق الإنسان، فذبحت ملايين الأبرياء في الهجمة الصليبية الأولى على الشام، وقتلت – حديثًا - بالأسلحة المحرمة دوليًا مئات الآلاف من الأطفال والشيوخ والأسرى والجرحى في العراق وأفغانستان.

ولقد نصت المادة الثالثة من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1949 .. أن " الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير