تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأمر الثاني الذي استند إليه الباحث المذكور في تشيّع بدر بن حسنويه وعشيرته البرزيكان هو قوله: «إن قبيلة البرزيكان كانت تعتنق المذهب الشيعي، وخاصة أن سكان هذه القبيلة في إقليم لورستان الذي يعتنق معظم القاطنين فيه هذا المذهب (1)، ثم إن البرزيكان كانوا يعيشون متجاورين ومتداخلين مع طوائف شيعية أخرى كاللورستان والكوران» (2).

ويبدو أن الباحث لم يستند إلى مصادر بعينها، سواء أكانت عربية أو فارسية، في إثبات شيعيّة منطقة تمركز عشيرة البرزيكان والأنحاء المجاورة لها في إقليم الجبال ـ كردستان ولورستان حالياً ـ؛ وإنما اعتمد على الحدس والتخمين القائمَيْن على العاطفة، علماً أنه كان هناك بؤر شيعية متعددة في إقليم الجبال؛ ولكن لم يكن انتشارها واسعاً بحيث تغطي المنطقة؛ فقد ذكر ياقوت الحموي (3) في هذا الصدد أن التشيّع قد انتشر في مدينة (قم) في وقت مبكر (سنة 83 هـ/702م). ويقول الأصطخري (4): إن أهل (قم) كلهم شيعة. بينما يقول القزويني (5): إن أهل بلدة (آبه) الواقعة على طريق بغداد ـ همدان ـ شيعة غلاة جداً، إلى جانب تمركزهم في الكوفة والجزء الغربي من بغداد (الكرخ) وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي (6).

ومما يدل على أن الأمير الكردي بدراً ابن حسنويه لم يكن شيعياً أن المصادر السُّنّية المعروفة؛ كالمنتظم لابن الجوزي والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي، كانت تكيل المديح له، ولو كان شيعياً لكان الأمر عكس ذلك؛ ولعل ذلك نكاية بخصمه!

- نشاط الدعاة العبيديين (المتقدمين):

النشاط الذي بدأه دعاة المذهب الإسماعيلي اعتباراً من سنة 260هـ/ 873 م حسب رواية المسعودي (7)، والجهود الحثيثة التي قام بها أئمة الشيعة الزيدية المعروفين بالدعاة لتأسيس كيان سياسي لهم في إقليم طبرستان جنوب بحر الخزر (قزوين) ابتداءً من سنة 250هـ/ 864 م وانتهاءً بسنة 316هـ/ 928م (8)؛ كل ما سبق أدّى دون شك إلى حدوث خلل بنيوي في مرتكزات أهل السُّنّة والجماعة تمخّض عن إدخال مناطق عديدة ضمن النطاق الشيعي بعد أن كانت حكراً على المذاهب السنّية. وقد حرص القادة العبيديون (الفاطميون) في مصر على استثمار كل الجهود من أجل نشر أفكارهم عن طريق إرسال الدعاة؛ فها هو المعز العبيدي (ت: 365هـ/975م) (9) يقول في خطاب له إلى الحسن القرمطي: «ومع هذا فما من جزيرة في الأرض ولا إقليم إلا ولنا فيه حجج ودعاة إلينا يدلّون علينا بتصاريف الألسن، وفي كل جزيرة وإقليم رجالٌ؛ منهم يفقهون وعنهم يأخذون ... » (10).

وقد أشار الوزير السلجوقي نظام الملك (11) إلى نشاط الباطنية وكيفية ظهورهم، بأن عبد الله بن ميمون كان يدعو الناس إلى هذا المذهب في قوهستان العراق (إقليم الجبال ـ كردستان ولورستان الحالية)، وأنه استخلف رجلاً يدعى خلفاً (1)، قال له: «امضِ إلى جانب الري ـ بالقرب من طهران الحالية ـ، وادعُ إلى الشيعة؛ فالناس في الري وقم وكاشان رافضة كلهم، وسيستجيبون لدعوتك بسرعة؛ فيعظم أمرك هناك ويعلو شأنك» (2).

ومن جانب آخر فإن النفوذ العبيدي (الفاطمي) قد زاد في أقاليم الدولة العباسية؛ نتيجة تشجيع البويهيين المذهب الشيعي الذي يدينون به، وهذا ما سهل إلى حدٍّ كبير مهمة الداعية العبيدي (موسى بن عمران الشيرازي) والد المؤيد الذي كان حُجةَ فارس ـ سفيرٌ إسماعيليٌ سرّيٌّ ـ أيام الوزير أبي غالب الواسطي وزير بهاء الدولة وسلطان الدولة، وقد تمتّع هذا الداعية العبيدي بمكانة سامية، حتى إن الوزير (فخر الملك) زاره أكثر من مرة في منزله، وفيما بعد خلفه في منصبه حجة فارس ابنه (هبة الله الشيرازي) الذي اتخذ لقب المؤيد لدين الله (3).

وقد تمكّن (هبة الله الشيرازي) من إدخال الأمير البويهي أبي كاليجار (415 ـ 440هـ/1024 ـ 1048م) في الدعوة الإسماعيلية (4) بعد أن لقّنه أصولها؛ نظراً للتقارب الأيديولوجي بين الجانبين؛ حيث يقول في هذا الصدد: «كنت كل ليلة جمعة أمكث عنده إلى أن يمضي هزيع الليل، وهو يسألني عما يهجس في نفسه، وكنت أجيب عنه جواباً يظهر أثر تباشير الفرح في وجهه، وأسأله: كيف وقع هذا الجواب منك؟ فربما حرك رأسه يعني أنه جيد، فلا أرضى دون أن أقرره بلسانه أنه ما دخل في مسامعه مثله» (5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير