(23) أخرجه أحمد (6 - 149) وابن أبي شيبة (6 - 7362 - 514) والترمذي، وقال: حديث حسن غريب (3705) وابن أبي عاصم في السنة (1172) والطبراني في مسند الشاميين (1934) وصححه ابن حبان (6915).
(24) أخرجه أحمد في المسند (6 - 21451) وفي فضائل الصحابة (804) وابن أبي شيبة (6 - 361) وأبو يعلى (4805) وابن ماجه (113) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3 - 106).
الجزء الثالث
من أسبابها: الانفتاح على الدنيا
كثرة النعم عند الناس، وتدفق الخيرات عليهم، وحصول الفراغ لديهم؛سلاح ذو حدين؛ فهو من جهةٍ يحقق لهم أنواعاً من الرفاهية، ويُمَكِّنُهم من أعمالٍ صالحة كثيرة؛ لضمان قوتهم، وكثرة فراغهم، ومن أعطاه الله تعالى بسطة في المال، وسعة في الرزق؛ تيسر له الإنفاق في وجوه الخير، وصلة الأرحام، ونفع الناس، وقد ذهب أهل الدثور بالأجور من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن جهة أخرى فإن كثرة النعم سبب للأشر والبطر، وانفتاح أبواب الفتن، وضعف الحمد والشكر، وكثرة السخط والتشكي؛ فلا الفقير يصبر، ولا المستور يقنع، ولا الغني يرضى.
ولقد كان من أهم عوامل الخروج على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: كثرة الخيرات، واتساع الدنيا في أيدي الناس، وفراغهم بعد أن فتحت الأقاليم، وغنموا واطمأنوا، فأخذوا ينقمون على خليفتهم؛ إذا تفرغوا لذلك
وقد نقل المؤرخون في الكلام على فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه قول حكيم عباد بن حنيف:"إن أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا، وانتهى سمن الناس" (1) وفي رواية ذكر:"لهو الناس بالحمام، والرمي على الجلاهقات"وهي قوس البندق كانت تتخذ للهو؛ حتى إن عثمان رضي الله عنه قص الطيور، وكسر الجلاهقات (2).
بين سياسة عمر وسياسة عثمان رضي الله عنهما:
كان من سياسية عمر رضي الله عنه: حبس الناس عن الدنيا، وتزهيدهم فيها، وتقليل حظهم منها، وإشغالهم عنها بالعبادة والعمل الصالح، وبدأ بنفسه في ذلك، وأهل بيته، وعسف رعيته على ذلك .. وما استطاع عثمان لما جاء بعده أن يسير سيرته، ويعمل بسياسته؛ لما فيها من الرهق والمشقة .. وكان من حكمة عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه لما تولى أمر الشورى بعد أن أصيب عمر رضي الله عنه: عزل نفسه من الخلافة؛ فإنه رضي الله عنه خطب في الناس، فقال له سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:"ارفع رأسك، وانظر في أمور الناس يقصد أن يتولى الخلافة فقال له عبدالرحمن: ثكلتك أمك، إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس" (3).
وقد وصف الشعبي رحمه الله تعالى الأحوال آنذاك وصفاً دقيقاً، أثبت فيه أن من أسباب الفتنة، انفتاح الناس على الدنيا، وخاصة الأكابر منهم وهم قريش لأن الناس ينظرون إليهم، ويتبعون هديهم، فقال الشعبي رحمه الله تعالى:"لم يمت عمر حتى مَلَّتُه قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم، وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، فإن جاء الرجل منهم ليستأذنه في الغزو قال له: قد كان لك في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبلغك، وخير لك من غزوك اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك، وكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش لأن الإمامة فيهم ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة، فلما ولي عثمان رضي الله عنه خلَّى عنهم، فانتشروا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، وكان أحب إليهم من عمر، رضي الله عن عمر وعثمان" (4).
وكان عثمان رضى الله عنه يقول:"إن عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره" (5).
غزو الدنيا لأهل الفتنة:
لم تمض سنة من إمارة عثمان رضي الله عنه حتى اتخذ رجال من قريش الأموال في الأمصار، وصار الناس يدخلون عليهم، ويخرجون منهم، وثبتوا سبع سنين على حالهم هذه، ثم أفسدت الدنيا أبناءهم، (6) فسألوا عثمان الإمارة فلم يرهم أكفاء لها، فنقموا عليه، فاستغلهم رؤوس الفتنة من المنافقين والمفسدين، وألبوهم على عثمان رضي الله عنه، فكانوا من الخوارج عليه، نسأل الله العافية والسلامة.
كان منهم: محمد بن أبي بكر الصديق الذي نَفَسَتْ به أمه في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم (7)، ومحمد بن أبي حذيفة الذي ولد في الهجرة إلى الحبشة (8).
¥