لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل الى ما وصل إليه محمد علي مهما كانت قدراته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند الى قوة تخطط له وتعينه على تحقيق أهدافه وتسخره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة) وهذه الصفات حقيقية له مهما كان غرضه من قولها.
لقد جاء محمد علي ضمن الفرقة الألبانية من الجيش العثماني لطرد الفرنسيين واستطاع بمكره ودهائه أن يتقرب للعوام ويكسب ثقة العلماء أصحاب الثقل الشعبي واستغل حالة الفوضى والفراغ الحادث في السلطة، والخلاف الذي حدث على ولاية مصر حيث عينت الدولة خسروا باشا واليًا على مصر ولم يعجب هذا الاختيار المماليك ولا العلماء ولا الشعب من ورائهم.
وكان الإنجليز من وراء الستار يتقربون للمماليك الناقمين على خسرو باشا لإحداث مزيد من الفوضى والاضطرابات ببلاد الخلافة ولم يعجب هذا التقارب العثمانيون فأمروا خسروا باشا بأن يضيق على المماليك ولكن لتأخر دفع الرواتب ثار الجنود خاصة الألبان بقيادة طاهر باشا ومساعده محمد علي على خسرو باشا، واضطر خسرو باشا لمغادرة مصر وتولى طاهر باشا الولاية، ولكنه ما لبث أن قتل على يد أحد الجنود الثائرين غيره من الألبان.
وتم تعيين أحمد باشا مكانه، ولكنه لم يلبث سوى يومًا واحدًا حيث أن العلماء وهم سادة الشعب فعلاً رغبوا في تولية نائب طاهر باشا وهو محمد علي وبالفعل أصبح محمد علي واليًا على مصر في 20 ربيع أول سنة 1220هـ وتوجه عمر مكرم نقيب الأشراف وعبد الله الشرقاوي كبير العلماء إلى محمد علي وألبساه لباس الولاية وأخذوا عليه عهدًا ألا يفعل شيئًا دون الرجوع إليهم، وأرسل محمد علي بعبارات التذلل والخضوع للسلطان ودولته تعلن فيها بأنه خادم مطيع فلم يقبل السلطان في بداية الأمر لعلمه بنوايا وأطماع محمد علي ولكن ضغط الشعب الغافل والعلماء السذج أجبر السلطان على الموافقة على تعيينه واليًا على مصر.
ومما رسخ أقدام محمد علي في البلاد وعزز مكانته أنه استطاع رد حملة فريزر الإنجليزية عن مصر سنة 1222هـ على الرغم أن الكفاح والجهاد جاء على يد أبناء مدينة رشيد الباسلة وقائدهم الشيخ عبد الله، ولكن المجد نسب لمحمد علي عند عامة الشعب وظهر بصورة المنقذ للبلاد وعندها بدأ محمد علي في تدعيم مركزه الشخصي وطموحاته وأطماعه الواسعة تجاه السلطة والجاه والأموال.
محمد علي والماسونية:
عندما دخل نابليون و الفرنسيون مصر كان أول ما فعلوه أن أنشأوا محفلاً ماسونيًا بالقاهرة وسموه محفل "إيزيس" وأوجدوا له طريقة خاصة به تناسب مصر وهي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة وتمكن هذا المحفل أن يستقطب عددًا من المصريين ويشير المنشور الأول الذي وزعه بائعون على المصريين إلى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار بين المسلمين فجأة في منشوره:
(قولوا لهم 'أي المسلمين' إن جميع الناس متساوون عند الله وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط).
ممَّا يعني إلغاء فوارق الدين والتقى تمامًا.
ـ عندما وصل محمد علي مصر كان مجرد شاب مغامر، وكان فيه من النزعة النفعية ما يؤهله للانضمام وبقوة لتلك المحافل اليهودية التي تهدف في المقام الأول لهدم دولة الخلافة ز تقويض الاسلام.
ولقد ساعدت تلك المحافل الصهيونية محمد علي، ومكَّنت له في البلاد،
، فالمتابع للأحداث التاريخية يجد نفسه أمام تساؤلات لا إجابة لها مثل:
، لماذا ثارت الفرقة الألبانية بالذات التي يحتل فيها هو الرجل الثاني دون بقية الفرق العثمانية وأبعدت "خسرو باشا" عن الولاية تحت دعوى تأخر رواتبهم؟
ولماذا اندفع العلماء لتعيين قائد القوة الألبانية الثائرة طاهر باشا قائمَ مقامٍ ينوب عن الوالي المطرود ثم يقتل بعد عشرين يوماً؟
ولماذا يطرد الوالي الجديد أحمد باشا بعد توليه بيوم واحد فقط؟
ولماذا يساعد محمد علي خورشيد باشا في تولي الولاية ثم ينقلب عليه؟
وكيف استطاع محمد علي أن يفي برواتب الجند وبخاصة بعد استيلاء المماليك في الصعيد على مخصصات الأهالي هناك؟ ولماذا ولماذا؟ جوانب كثيرة يكتنفها الغموض!!!
¥