تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بوسائطه المندسة في هذه الأجسام المريضة؛ ما يشاء من زخرف القول غروراً. فَيُخْرِجُ المظاهرات الضخمة، والاستعراضات العريضة، ويصنع الصدامات مع السلطات، هنا وهناك؛ لتأديب هذا النظام أو ذاك، أو الضغط على هذه السلطة أو تلك! أو لتمرير قرار سياسي يحد من نشاط العمل الديني وحريته؛ ما كان له أن يُمَرَّرَ لولا رد الفعل البيلد الذي صدر عن هؤلاء! والجماهير الغافلة المستغفلة – في غياب القيادات العلمية الرشيدة - تهتف صادقةً بجهلها، مستجيبةً للزعماء الْجَهَلَةِ بالدين، سائرةً نحو خراب الدين! باسم "الدين"، و"الدعوة إلى الدين"، و"الجهاد في سبيل الله" و"نُصْرَةِ المستضعَفِين"، محقِّقَةً بشعاراتها هذه وأضرابِها؛ مَنَاطَ حِكْمَةِ عَلِيٍّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه؛ عندما عَلَّقَ على شعارات خصومه يومئذ، إذْ رفعوها بما يُظهر قصد الاحتكام إلى كتاب الله؛ فقال قولته المشهورة: (حَقٌّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ!) وإنَّ ذلك في زماننا هذا لهو من أعظم المحن والفتن! وإنما يكشف مثل هذا الزيف العظيم اليوم – مما تداخل فيه الكيدُ الخارجي بالكيد الداخلي - العلماءُ الفقهاءُ، والربانيون الحكماء! ولو حاسبنا أنفسنا صادقين بما دَاخَلَهَا من ضلالات وأهواء، في مجال "العمل الديني والدعوي"، وكشفنا ظلماتها - ترغيبا وترهيبا - بنور قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاَخْسَرِينَ أَعْمَالاً؟ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا!) (الكهف:99)؛ لراجعنا كثيرا من مقولاتنا وأفكارنا، ولَرَتَّبْنَا لآخرتنا ترتيبا آخر. ولكنْ قَبَّحَ اللهُ الأهواءَ! ما أشدها على النفوس! ورحم الله أبا الوليد البَاجِّي لِمَا دَبَّجَ من الحكمةِ في وصيته، حيث قال رحمه الله: (فَكَمْ مِنْ عَامِلٍ يُبْعِدُهُ عَمَلُه من رَبِّهِ! ويُكْتَبُ مَا يَتَقَرَّبُ به مِنْ أكْبَرِ ذَنْبِهِ! والْعِلْمُ لا يُفْضِي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر به عن درجة الرِّفْعَةِ والكَرامَةِ.) () ولكن قدر الله ألاَّ يقعَ شيءٌ إلا بميزانِه، وفي وَقْتِهِ وإِبَّانِهِ، وللهِ الأمرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ! ومن هنا لم يزل إلحاحنا على طلابنا بأن المخرج من الأزمة إنما هو تجديد إشاعة "العلم"! نعم؛ العلم بمفهومه القرآني الشامل، أي: بما فيه من معنى تنزيل حقائقه في واقع الأمة، بصورة منهجية وعمق تربوي هادف، شيئا فشيئا. وذلك هو العلم بمعنى الحكمة! العلم الذي يُنِيرُ العقولَ، ويحيي اللهُ به القلوبَ، ويجدد الناسُ به العهد مع الله. وقد أخرج الإمام أبو عمر بن عبد البر - رحمه الله – في كتابه العظيم "جامع بيان العلم وفضله"؛ بسنده إلى مالك بن أنس، رحمه الله ورضي عنه: (أنَّه بَلَغَهُ أنَّ لُقْمَانَ الحكيمَ قَالَ لاِبْنِهِ: يَا بُنَيَّ! جَالِسِ العُلَماءَ وزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ! فإنَّ اللهَ يُحْيِي القلوبَ بِالْحِكْمَةِ، كما يُحْيِي الأرضَ الميتةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ!) (). هذا؛ وقد كانت رغبتنا قديمة في كتابة رسالة حول مفهوم "العالِم" و"العالِمِيَّةِ" تساعد على إزالة الغبش عن الأنظار في تحديد دلالة هذا المصطلح؛ لإحسان توظيفه وتنزيل حقائقه. ولم يزل بعض طلابنا النجباء، ممن أكرمهم الله تعالى بسلامة الصدر، وصحة العزيمة على التفرغ لواجب الاشتغال بالعلم، وحمل أمانته في الأمة إن شاء الله؛ تعبدا لله، وتجديدا لدينها؛ يلحون علينا بوضع برنامج تكويني في مجال العلوم الشرعية، يراعي أفضل الطرق وأجداها للتحقق بوصف "العالِمِيَّةِ"؛ عسى أن يكون إفناء أعمارهم فيما ينفعهم وأمتهم، ويضاعف أجورهم يوم القيامة إن شاء الله، مستبشرين بأحاديث الرسول الكريم في فضل العلم والعلماء، كقوله صلى الله عليه وسلم: (فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كفضلي على أدناكم! إنَّ الله - عز وجل – ومَلائِكَتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرض، حتى النملة في جُحْرِهَا! وحتىَّ الحوت! لَيُصَلُّونَ علَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرِ!) (). بَيْدَ أني بقيت إزاء هذا الأمر بين إقدام وإحجام زمناً؛ أفكر في الأمر ثم أرجئه! ولم أزل كذلك في تردد من أمري؛ لخطورة مثل هذا الأمر من الناحية المنهجية؛ حتى وقعت بيدي ورقات عظيمة النفع لأحد أعلام علماء الأندلس، وأحد أعمدة المذهب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير