تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المالكي بها، روايةً ودرايةً، واجتهاداً وتجديداً. ألاَ وهو: الإِمَامُ العُمْدَةُ أَبُو الْوَلِيدِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلَفٍ البَاجِّي (ت:474 هـ) رحمه الله. والورقاتُ هي عبارة عن "وَصِيَّةٍ لِوَلَدَيْهِ" (). وقد ذكرها ابن فرحون المالكي في "الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ"؛ ضمن مصنفات أبي الوليد البَاجِّي، عند ترجمته، وسماها: (كِتَابَ النَّصِيحَةِ لِوَلَدَيْهِ) (). ونَصُّها يقطع بنسبتها إلى الباجي رحمه الله. وهي وصية علمية منهجية تربوية. جامعة مانعة شاملة. حَرِيٌّ بمن أخذ بها أن يتقلد منصب العَالِمِيَّةِ حقا وصدقا، ويتصف بمقتضياتها خُلُقاً ومَلَكَةً وكَسْباً. فأعجبتُ بها أيما إعجاب! خاصة وأنها كُتبت بأسلوب أدبي رفيع، ونثر فني راق! يدل على ما كان للأندلسيين - على غير عادة كثير من الفقهاء في بلاد أخرى - من ذوق فني عالٍ في اللغة والأدب؛ بما يشجع على قراءة كتبهم والنهل من مصنفاتهم. ولذلك فقد قرأت كلماتها مراراً، ورَدَّدْتُ عباراتها تكرارا .. ! وقد جاءت مدبجة بحكم ونصائح عز نظيرها! إذْ ضَمَّنَهَا المؤلِّفُ - رحمه الله - أنظمةً دقيقة في مراتب التعليم ومناهجه، وتحديد أولوياته، ثم ما ينبغي للعالم الحق، وما لا ينبغي له من أمور الأخلاق وأنواع العلاقات. ومن هنا أهمية هذه الوصية التي جاءت - على قلة حجمها - رسالة في غاية النفاسة والنفع. خاصة وأنها صدرت عن عالم عظيم، ذي باع طويل وتجربة عميقة في مجال طلب العلم وتعليمه، والاشتغال به؛ تربيةً وتزكيةً، ونشراً وتجديدا، في ظروف شتى، من العسر واليسر، والخوف والأمن، والسفر والحضر! فكيف لا تكون عظيمة وهي كذلك؟ وكيف لا والحاجة إلى مثلها في زماننا هذا ماسة شديدة؟! ثم ما كان بعد ذلك إلا أن استعنتُ اللهَ على دراستها، وتفصيل مجملاتها، وبيان إشاراتها، في مجال التربية والتعليم، على طريق تحقيق مفهوم "العَالِمِيَّةِ"، وبيان ما يلزم طالب العلم ليكون "عَالِماً" حَقّاً. مع محاولة تحقيق مناط قواعدها على زماننا هذا، بما يراعي ظروف العصر وحاجاته الجديدة، في سياق موازين التدافع الحضاري، والتحديات العَالَمية الكبرى؛ عسى أن نسهم بذلك في إزالة بعض الغبش اللاحق بهذا المفهوم الحيوي، في بنية الشريعة الإسلامية، سيراً في طريق استئناف حياة إسلامية جديدة. والله وحده المستعان، وعليه التكلان. ومن هنا جاءت هذه الرسالة في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة. فكان الفصل الأول في الإمام أبي الوليد الباجِّي ووصيته، ولذلك جاء في مطلبين: الأول في عرض ترجمة الباجي، والثاني: في بيان العنَاصِرِ الأسَاسِيَّةِ لوَصِيَّتِه، والفصل الثاني: في محاولةِ تحديدِ مَفْهُومِ "العَالِمِ" و"الْعَالِمِيَّةِ"، والفصل الثالث: في بيان الأصول الأربعة للعلوم الشرعية، والفصل الرابع في محاولة وضعِ بَرْنَامَجٍ تكويني لِلْعَالِمِيَّةِ. ثم كانت الخاتمةُ كَارَّةً على ما سبق بِعِبْرَةٍ جامعة. ثم ذَيَّلْتُ الرسالةَ بِمُلْحَقٍ ضَمَّنْتُه نَصَّ وصية أبي الوليد الباجي كاملة؛ حتى تُقرأ بِتَأَنٍّ في غير سياق الدرس والشرح؛ عسى أن تكون عِبرةً للمعتبرِين، وعِظَةً للمتعظين، إذْ في ثناياها وصايا جزئية، وحِكَمٌ تفصيلية، مما لم نتعرض له بالتفصيل إلا في إطار الكليات التي درسنا. لكنها جزئياتٌ ثمينة جدا في ذاتها وسياقها، تُشَدُّ إلى مثلها الرحال! وإنما الْمُوَفَّقُ من وفقه الله. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفُُ رَّحِيم) (الحشر:10).

وكتبه بمكناسة الزيتون: عبد ربه، راجي عفوه وغفرانه، فريد بن الحسن الأنصاري الخزرجي، عفا الله عنه، وغفر له ولوالديه ولسائر المسلمين، وكان تمام تصنيفه وتنقيحه بحمد الله يوم: الخميس، تاسع عشر ذي الحجة، من عام: 1426هـ، الموافق لتاسع عشر يناير من عام: 2006م. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير