أقول: لعل المستدرِك لا يعرف أن الشيخ يحقِّقُ النشرَ على أربع نسخٍ خطيةٍ إحداها مقروءةٌ على المصنف مرتَين، وثانيةٌ مقابلةٌ على نسخة بخطِّه، فالشيخ ـ سلمه الله ـ لا يعتمدُ النسخة المطبوعة؛ لأن ذلك لا يناسب مستواه العلميَّ وتاريخَه في تحقيق النصوص، ثم ألم ير المستدرِكُ في كتاب السلاسل ص 33ـ93 ما رجع الشيخ إليه من مخطوطاتِ أصول النشر؟ أيقلدُ مثلُ هذا الرجل مثلَ تلك النسخة؟ ما دام المستدرك نفسُه يخطِّئُ نسخَه التي ذكرها في (7 مكرر)، فهلا أحسن الظن بالشيخ وقال: لعله رجع إلى نسخة كنسختي، بدلًا من أن يتقعَّرَ ويقولَ أنَّ الشيخَ ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ قلَّد المطبوعة!.
وقد قسم ملاحظاتِه أو استدراكاتِه إلى نوعَين: عام وخاص.
أما العامة فقال فيها: (1 ـ تخصيص الكتاب بابتعاده عن تقريب تحرير الطرق والتعريف به ليسهل تمرير ما تضمنت السلاسل الذهبية من التدليس على العوام بإيهامهم أن كل رواية وحدة متكاملة منزلة هكذا تفصيلا في كل حرف منها وهو ما نأى عنه أئمة القراءات قديما) اهـ.
قلت: إن ما في كتاب السلاسل الذهبية من أسانيدَ ومشجراتٍ موافق لما في كتب أصول النشر، المخطوطِ منها قبل المحقَّق، فإن كان ما في هذا تدليسًا فما في تلك كذلك، فالمشجرات لا تتضمن إلا تبيينَ الطرق النشرية وعزوَها لكتبها وترقيمَها، لتسهُلَ مراجعةُ الأسانيد عند تحرير أوجه الخلاف، فهي خدمة جليلة لكتاب النشر، لا يفهم منها من قريب ولا من بعيد أن كل رواية منزلة هكذا تفصيلًا كما زعم المستدرِك.
ثم ما هي العلاقة بين تعريف التحرير وتقريبه وبين تشجير الأسانيد؟ وما العلاقة بين التشجير وفصل الرواية من القياس؟ ألم يقرأ كل واحد على شيخه وهكذا إلى منتهى الإسناد كما في مشجرات السلاسل؟ أتجدُ في تلك الأسانيدِ زيادةَ حرفٍ أو حركةٍ في كتابِ الله؟.
وماذا في نصَّي مكيٍّ اللذَينِ نقلتَهما من هدية؟ إنه كلامٌ يعرفه طويلبُ علم القراءات، فلتفرق أنت ـ يا شيخُ ـ بين تلك الأقسام التي ذكرها مكيٌّ إن استطعت.
يا لله، ما أشنعَ التكلُّف!! كأنك تعني أن أسانيدَنا غيرُ متصلة بالنبيِّ ج حتى يفرَّق بين الرواية والقياس، فلتخبرْني من سبقكَ إلى هذا الكلام؟ ومن تختاره ـ يا تُرى ـ ليكونَ منتهى سندِنا؟ ألم يقل الجزريُّ رحمه الله: (وأعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن، على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشان، أن بيني وبين النبيِّ ج أربعةَ عشرَ رجلًا)؟ فلم المِراءُ في القرآن؟.
أما قوله: (وليته انشغل (يعني الشيخ) بدل هذا الادعاء بتحرير طرق كل رواية على حدة) فتطاوُلٌ لا داعيَ له، وهو كقوله: (وليته انشغل بتقصي الزيادات المقروءة وإظهارها .. قبل أن يوصله بالنبي عن جبريل عن رب العزة) لأنك تراه يخرج فيه من نقد الكتاب إلى نقد صاحبه، مع أن كتاب السلاسل ليس موضوعُه تحريرَ الطرق، وهذا واضح من اسمه لمن يعرف العربية.
إن تلك الفكرةَ التي سيطرتْ على المستدرِك ـ أعني كونَ السلاسلِ كتابَ تحرير ـ أطالت عليه البحث، وقوله ـ عند الكلام على ذوات الياء الواقعة في رءوس الآي للأزرق ـ: (أما الشهادة كما في السلاسل الذهبية أن الخاقانيَّ تلقاها من شيوخه مسلسلة إلى النبي .. الخ) خير دليل، وأنا أسأله: هل تجدُ في كتاب السلاسل أن الخاقانيَّ قرأ بالفتح على شيوخه؟ أو أن فلانًا قرأ كذا؟ فلم تتعبُ نفسَك وتطيلُ الكلام وتقول: (أنه لم يفصِّل ولو مرة واحدة ما أجمله ابن الجزري من طرق المصنفين في نشره أحرف الخلاف كقوله: وغيرهم) وشبهَ هذه العبارات؟.
قال الشيخُ المستدرِك: (2 - الاقتصار على الأسانيد العامة والتي لا تتطلب جهدا وهي تسمية أسانيده إلى ابن الجزري وهذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ كل مجاز) اهـ. قلت: إن تلك الأسانيد العامةَ التي يزعم أنها لا تحتاج إلى جهد قد وقع في بعضها من التحريفِ والتركيبِ ما الله به عليم، وذلك معروفٌ يقِرُّ به من عنده أدنى قدرٍ من الإنصاف، وقد قرأ شيخُنا ـ كما هو معلومٌ ـ على مشايخ الدنيا في الإقراء، وتوفر عنده من الإجازات الخطية وكتبِ التراجمِ مع الفَهْمِ الثاقبِ والدِّرايةِ التامةِ والأمانةِ العلميةِ ما كان سببًا في تصحيح هذه الأغلاط، ثم إن السلاسل أضاف وفَياتِ
¥