إنَّ القضيةَ ليست تلك، إنه لم يكن ليتوصلَ إلى أنَّ (الدانيَّ) ليس (الدانيَّ)، وأنه (الحافظ) ـ على النحو الذي تقدَّم ـ إلَّا بهذا الذي دعاه (استدراكًا)، أين الأمانةُ العلمية يا شيخ؟ أيصعبُ عليك أن تخلُصَ إلى مُرادِك دون الإكثارِ من كلمةِ (استدراك) بحقٍ وبغير حق.
ثم منذ متى صارَ البحثُ العلميُّ احتمالاتٍ بعضُها فوقَ بعض؟ إنه يكفيك في بعض الأحيان أن تصف ما أمامك، لا تزيدُ على ذلك أما إذا أردت سلوكَ طريق الاحتمال فلا آخرَ له، فتهيَّأ للانبِتاتِ، فإنك لن تقطعَ أرضًا ولن تبقيَ ظهرًا.
ثم قال: (إن قبلنا باحتمال أن أبا الفتح المذكور ... ليس هو فارس ابن أحمد شيخ الداني وإنما هو أبو الفتح الحداد.ويزداد الأمر غرابة إن تبين لنا أن تلميذ أبي الفتح الحداد ليس هو الحافظ أبو عمرو الداني ولكنه الحافظ أبو طاهر السلفي) قلت: عجبتُ لكلامٍ يقال فيه: (إن قبلنا) و (ويزداد الأمر غرابة) و (إن سلم من تصحيح المتخصصين) يسمى استدراكًا، إن الاستدراكَ تعقيبٌ وتخطِئةٌ، ومن شأن ذلك أن يكون أدنى درجاته الرُّجْحان، أما استدراكٌ يقول عنه صاحبُه: (إن سلم) فليس بشيء.
وفي هذا الكلام كفايةٌ لمن أراد الحق مجردًا إن شاء الله، مع أني أعلم أن حُبَّ الجدل ـ الذي صار للأسف سمةً ظاهرةً في كثير من روَّادِ الشبكة العنكبوتية ـ ربما صرفَ الشيخَ المستدرِك عن ما في قولي من الحق، وجعله يورِد عليه الإيرادات، لكن ها هو كلامي بين يديه فليقلبْه كيف يشاء، فإنه بإذن الله سائغٌ سهلُ الفَهم، ولا يكنْ كمن قال فيه القائل:
رأى الأمرَ يُفضِي إلى أوَّلٍ فصيَّرَ آخِرَه أوَّلًا
ونصيحةٌ أنصحُه بها لوجه الله تعالى: إذا كنت من أهل التخصص كما تقول فسرْ على درب أسلافك، فإني لما قرأتُ بحث التواتر لك ما كدتُ أرى لك كلمةً صائبة إلَّا تلتها أخرى خاطئة، فبدوتَ وكأنك لا تعترفُ بشيء اسمه: (القواعد)، وإذا كنت تمارِسُ الكتبَ والأسانيدَ ثم بدا لك شيءٌ تظنُّ أنه من باب التحقيق ـ شريطةَ أن لا يكون كبحثِ التَّواتُر ـ فاكتبْ ذلك ولتُعَنْونْ له بما شئتَ، فلا أحدَ يمنعُك من ذلك، أمَّا أن تُلصِقَه بعالمٍ، وخاصةً إذا كان من المحققين، أو بكتابٍ ـ كالنشر أو السلاسل ـ من غير تثَبُّتٍ ولا مراجعة، وتقولَ: (استدركتُ على فلان) ثم ترجع وتقول: (إن سلم كلامي من تصحيح المتخصصين) فذلك ليس من البحث العلميِّ أو التحقيقِ في شيء، كما أنَّ فيه جَلبًا لإساءةِ الظنِّ بك.
وختامًا فإني أ وصي نفسي والأخَ المستدرِك بأن لا نقنعَ في كتابِ ربِّنا بأحد أمرين: الرواية والدراية، بل لا بد منهما معًا، وإلَّا لاستَخرجْنا من كتبِ أئمتنا أمورًا لم تخطر لهم على بال في يوم من الأيام، وإن كنتُ قد بدوتُ شديدَ اللهجة فذلك من غَيرتي على كتاب الله وعلى أئمتنا رحمهم، وقد كتبتُ ذلك دفاعًا عنهم جميعًا، وكذا عن كتابَي النشرِ لابن الجزريِّ، والسلاسلِ لشيخنا الذي لا أعلمُ أحدًا خدمَ كتابَ النشرِ مثلَه، ونصيحةً للمُسلِمين من قرَّاءٍ وغيرِهم، كما كتبتُه أطمئنُ به قلوبَ من يعتَزُّون بتراثِ هذه الأمة، ويغارُون عليه، والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أحمد محمد فريد
المدينة المنورة: 20/ 6 /1431 هـ
http://qiraatt.com/vb/showthread.php?p=10473&posted=1#post10473
ـ[الحسن محمد ماديك]ــــــــ[06 Jun 2010, 01:08 ص]ـ
الأخ أحمد فريد محمد
شكر الله لك، مقالتك أو دفاعك عن الشيخ الدكتور أيمن رشدي حفظه الله، ودفاعك عن النشر وصاحبه، وإنما كانت استدراكاتي على منهجية نهجها المصنفون من طرق الرواة وتمسّك بها صاحب السلاسل الذهبية، فقصدت الاستدراك على المتأخر منهم لما في كتابه من التحقيق.
ولا أجد ما أشكرك به ـ إذ الشكر عمل ـ أكثر من ترك المجاملة وإظهار ما ترددت أكثر من مرة من إظهاره، وأسفي عليك لو أعلن الدكتور أيمن رشدي سويد موافقتي في بعض المسائل التالي بيانها:
الحسن بن ماديك