تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولأن الشاطبي كما أخذ رواية قالون من طريق ابن بويان عن شيخه محمد بن علي بن أبي العاص النفزي وعلي بن محمد بن هذيل بسندهما إلى الداني، أخذها أيضا من طريق القزاز عن أبي نشيط قرأ بها على النفزي على ابن غلام الفرس على عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع على عبد الله بن سهل على ابن غصن على عبد المنعم بن غلبون على صالح بن إدريس على القزاز، وشارك الشاطبي في هذه الطريق ابن بليمة ومكي وغيرهما، وابن بليمة ومكي لهما المد والصلة".

وسلطان وتلميذه المنصوري علمان كبيران من أعلام المحررين، ولا يمكن إخراجهما من دائرة المحررين بسهولة، فسلطان أخذ بطريقته أغلب المتأخرين، والمنصوري تمر به كل الأسانيد الموجودة حاليا في المشرق، ومنها سند المتولي.

أما كون ابن بصخان لا سلف له في هذه المسألة وقد خالف كل شيوخه ومعاصريه فيها؛ فهذا أيضا لا يخرجه من دائرة المحررين، بل على العكس يدل على أنه من الملتزمين بمنهج التحريرات؛ فأكثر المحررين إذا رأوا أنهم قد توصلوا إلى تحرير صحيح لا يبالون بمخالفة كافة الناس؛ فالشبراملسي والنوري مثلا قد خالفا جميع شيوخهما، فقد أسقط الشبراملي وجها من ما قرأ به على شيوخه، ثم أسقط تلميذه النوري وجها آخر من ما قرأ به على الشبراملسي وغيره من شيوخه، كما يقول النوري (غيث النفع: 107): "ويأتي فيها [فتلقى آدم] على ما يقتضيه الضرب على رواية ورش ستة أوجه: فتح وتقليل فتلقى مضروبان في ثلاثة آدم، وذكره غير واحد من شراح الحرز كالجعبري وابن القاصح ذكره عند قوله:

وراء تراءى فاز .......... ...................... إلخ

وكان شيخنا العلامة علي الشبراملسي يخبر أن مشايخه يقرؤون بها وقرؤوا بها على مشايخهم، وأمعن هو رحمه الله النظر فأسقط منها واحدا وهو القصر على التقليل، فكان يقرأ بخمسة. والصحيح أنه لا يصح منها من طريق الشاطبية إلا أربعة، وهي القصر والطويل على الفتح والتوسط والطويل على التقليل". وكذلك المتولي إمام المحررين المتأخرين، فهو يلزم ابن الجزري ببعض الوجوه التي منعها (مع أن سند المتولي يمر بابن الجزري)؛ لأن ابن الجزري لو تيقظ – في رأي المتولي – لما منعها، كما يقول المتولي (الروض النضير: 164): "قال [الأزميري]: ولكن لا نأخذ بهذا الوجه [السكت في المد المنفصل مع السكت في الأرض والتحقيق في سائر الباب] لما منعه ابن الجزري اهـ ولكن لقائل أن يقول: كيف لا يؤخذ بوجه مسند مع أن مانعه لو تيقظ لحكاه ولم يجد له عذرا في عدم تجويزه". وكان المتولي يرى أن الوجه إذا كان ثابتا فلا يقدح فيه تضعيف ابن الجزري له، كما يقول (الروض النضير: 177 - 178): "فمن ثم ضعف هذا الوجه [مد الألف الأول وقصر الألف الثاني من هؤلاء إن لقالون] عند ابن الجزري ولا يقدح هذا في جواز الأخذ به بعد ثبوته كما قد يتوهم". ولا يحفل المتولي بمخالفة الناس جميعا له إذا رأى أنه أصاب التحرير الصحيح، لأنه يقدم الدراية على الرواية، كما يقول (الروض النضير: 81):

"وذا ما عليه الناس والحق تركه فلا تسكتن واستوف نشرا تأملا

( .. ) وهذا ما عليه الناس من شيوخ الأزميري كما نقله عنهم من طريق المبهج من قراءته على الشريف الكازريني عن الشذائي ولم يسند في النشر المبهج من طريق الشذائي إلى رواية خلف بل لم يسند في المبهج طريق الشذائي إلى خلف؛ فحينئذ لا يكون السكت وجها لخلف كخلاد، وإن قرأ به الأزميري؛ لأنه خلاف الدراية"، ويطعن أحيانا في ما أجمع عليه الناس ويرى أنه "فيه نظر"، كما يقول (الروض النضير: 88): "تنبيه: ما ذكرناه من اختصاص الغنة له [حفص] بالمد هو ما عليه عمل أهل الأداء اليوم ولم يبلغنا عن أحد خلافه اعتمادا على ما في النشر من أن الهذلي لم يذكر القصر المحض، وفيه نظر؛ لأن الهذلي ذكر المد للتعظيم وهو مخصوص بالقصر المحض"، ويقول (الروض النضير: 94 - 95): "ثم اعلم أن ما ذكرناه من منع إظهار الغنة على وجه الإدغام الكبير لأبي عمرو ويعقوب هو ما عليه شيوخنا وسائر من علمناهم والآن قد ظهر لنا من كلام النشر أن الأمر بخلافه ولذلك قلت:

وما قلته من منع إظهار غنة

على وجه إدغام لدى ولد العلا

توهمه قومي وإني أجيزه

له وهو عن روح من الكامل اعتلى".

وليس هذا مجال مناقشة صواب هذه الاجتهادات أو خطئها، وإنما المقصود أن ابن بصخان لم يكن بدعا من المحررين في المنهج الذي اعتمد.

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[13 Jun 2010, 11:17 ص]ـ

وفي ظل هذه الظروف لا يمكن أن نعرف الدليل الذي اعتمده ابن بصخان في تحريره هذا، ولكن لا أظن أن إماما من أئمة القراءات كابن بصخان يمكن أن يقدم على القول في كتاب الله بغير علم، أو يعتمد على مجرد رأيه في إثبات القراءات، بل لا بد أن يكون قد اعتمد على شبهة قوية عنده, وابن بصخان إمام من كبار أئمة هذا الشأن، وقد أثنى عليه ابن الجزري في ترجمته في غاية النهاية، ومن ما قال في ترجمته: "ولما خلت المشيخة الكبرى بتربة أم الصالح عن الشيخ التونسي، وليها من غير طلب منه، بل لكونه أعلم أهل البلد بالقراءات عملاً بشرط الواقف"، وأثنى عليه في النشر وامتدح تجويده وحسن صوته (انظر: النشر: 1/ 213)، واعتمد تحقيقه في مسألة تفخيم الألف بعد حروف التفخيم، وذكر ثناء أبي حيان عليه (انظر: النشر: 1/ 215 - 216).

ولكن ما هي هذه الشبهة التي اعتمد عليها ابن بصخان في هذه المسألة؟ هنا تتعدد الاحتمالات ولا يملك الباحث إلا الظن والتخمين؛ فقد يكون لابن بصخان مذهب خاص به في التحريرات،

إنّ العبرة في تحرير المسألة هو ثبوت الوجه بالنصّ والأداء عند المتقدّمين، فإن انتفى ذلك فالوجه فهو مردود مهما كانت حجّته من جهة القياس، ولا أرى حجّة له في ذلك إلاّ القياس والرأي، بدليل أنّ ما ذهب إليه لم يسبقه في ذلك أحد. ولايمكنه في هذه الحالة الاعتماد على النصّ والأداء لعدم ثبوبهما قطعاً، فلم يبق له إلاّ إعمال الرأي والقياس، وهذا ليس طعناً فيه حاش لله، فهو مجتهد ومأجور بإذن الله تعالى وقد وقع مثل هذا للكثير من الجهابذة. خلافاً للمحرّرين فإنّ لهم في الجملة مصدراً ملموساً يرجعون إليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير