ـ وبدأ ابن مهران (ت 381 هـ) غايته بذكر أسانيده إلى القراء العشر، وكذلك فعل شيخ الداني أبو الحسن طاهر بن غلبون (ت 399 هـ) تذكرته في القراءات الثمان، وابن الفحام (ت 516 هـ) تجريده في القراءات السبع، وابن الباذش (ت 540 هـ) إقناعه في القراءات العشر، وأبو العز القلانسي (ت 541 هـ) كفايته الكبرى في القراءات العشر، وأبو العلاء الهمذاني (ت 569 هـ) كتابه غاية الاختصار في القراءات العشر، وأبو معشر الطبري (ت 478 هـ) تلخيصه في القراءات الثمان
ولئن عذرنا أصحاب المختصرات المذكورة وغيرها فما خطب الداني في جامع البيان؟ بدأه بتفسير الأحرف السبعة ثم بالتعريف بالقراء السبعة وأعرض عن ذكر الصحابة والتابعين الذين رافقوا المصاحف العثمانية فأسقط تلك الحلقة الثمينة.
وتابع ابن الجزري (ت 833 هـ) في كتابه النشر نفس المنهج غير أنه جاء بفقرة فاقرة قاصمة ظهر التحقيق العلمي لا تحتمل غير محاولة تبرير منهجه هو ومن سبقه من مصنفي طرق الرواة باعتماد القراء العشرة بدل القراء الذين انتدبهم عثمان مع المصاحف العثمانية.
قال ابن الجزري في نشره (1/ 7): وجردت هذه المصاحف جميعا من النقط والشكل ليحتملها ما صح نقله وثبت تلاوته عن النبي ? " اهـ محل المراد منه.
ويعني لتحتملها القراءات السبع والثلاثة معها كما رواها الرواة العشرون عن القراء العشرة.
ولا يحتمل كلام ابن الجزري رحمه الله إلا الإقرار بوجود النقط والشكل يومئذ، ولعله يحتاج إلى إثبات تاريخي علمي.
ولخّص ابن الجزري تلك المرحلة الذهبية والحلقة المفقودة التي عزمت متوكلا على الله على إظهارها لافتقار الأمة إليها أعني القراء الأولين الذين أقرأوا الناس بتفويض من عثمان ومساعديه من كتبة المصاحف العثمانية، تلك الحلقة الذهبية لخصها ابن الجزري في النشر (1/ 8) بما نصه: " وقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من في رسول الله ? " اهـ بلفظه طاويا تلك الصفحة ومعجما أسماء أبطالها.
ووا عجبي بل وا حيرتي أن يعجم ويبهم قراء الطبقة الأولى وأداءهم ومذاهبهم في أحرف الخلاف بعد نشأة المصاحف العثمانية ويعرب قليلا قراء الطبقة الثانية، ويعرب إعرابا قراء الطبقة الثالثة ومنهم القراء السبعة والعشرة والأربعة سواهم وغيرهم.
ويعرب أكثر من ذلك مذاهب الرواة عنهم وطرقهم في كل جزئية أي أصحاب الطبقة الرابعة فما بينها وبين المصنفين من طرق الرواة إلى آخرهم ابن الجزري.
قال ابن الجزري في وصف قراء الطبقة الثانية " ثم قاموا بذلك مقام الصحابة الذين تلقوه عن النبي ? (فممن كان في المدينة) ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وسليمان وعطاء ابنا يسار ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ وعبد الرحمان بن هرمز الأعرج وابن شهاب الزهري ومسلم بن جندب وزيد بن أسلم، (وبمكة) عبيد بن عمير وعطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة وابن أبي مليكة، (وبالكوفة) علقمة والأسود ومسروق وعبيدة وعمرو بن شرحبيل والحارث بن قيس والربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون وأبو عبد الرحمان السلمي وزر بن حبيش وعبيد بن نضلة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والشعبي، (وبالبصرة) عامر بن عبد قيس وأبو العالية وأبو رجاء ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ومعاذ وجابر بن زيد والحسن وابن سيرين وقتادة، (وبالشام) المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان بن عفان في القراءة وخليد بن سعد صاحب أبي الدرداء " اهـ بلفظه من النشر (1/ 8).
ولقد شاع وذاع أن عثمان بن عفان قد بعث المغيرة بن شهاب المتوفى سنة 91 هـ مع المصحف الشامي، وبعث عبد الله بن السائب المتوفى سنة 70 هـ مع المصحف المكي، وبعث أبا عبد الرحمن السلمي المتوفى سنة 72 هـ مع المصحف الكوفي، وبعث عامر بن قيس مع المصحف البصري، وكلّف زيد بن ثابت أن يقرئ بالمصحف المدني كما في المدخل لدراسة القرآن (ص 280 - 281) وفي مناهل العرفان (ج 1/ 403 - 404) ولعله يحتاج إلى مراجعة في غير زيد بن ثابت ليثبت علميا وتاريخيا لأن المحقق ابن الجزري قد عدّ أبا عبد الرحمن السلمي والمغيرة بن أبي شهاب وعامر بن قيس من أصحاب الطبقة الثانية الذين تلقوا عن الذين أقرأوا بالمصاحف العثمانية ولأن المذكورين قد تأخرت وفاتهم كثيرا عن حادثة
¥