وننتقل إلى ابن فرح فنقول: روى عنه ممن اشتهر: زيد بن أبي بلال وعمر بن عبد الصمد وأبو العباس بن محيريز وأبو محمد القطان والمطوعي وهكذا نزل هؤلاء القراء طبقة طبقة إلى زماننا هذا فكيف وهذا نافع الإمام الذي يقرأ أهل المغرب بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة ورش وقالون وعند أهل النقل اشستهر عنه تسعة رجال: ورش وقالون وإسماعيل بن جعفر وأبو خليد وابن جماز وخارجة والأصمعي وكردم والمسيبي؟
وهكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم ويقتصر على اثنين؟ وأي مزية وشرف لذينك الإثنين على رفقائهما وكلهم أخذوا عن شيخ واحد وكلهم ضابطون ثقات؟ وأيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين القراءات عالم لا يحصون وإنما جاء مقرئ اختار هؤلاء وسماهم ولكسل بعض الناس وقصر الهمم وإرادة الله أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها انتهى " اهـ من النشر.
قلت: تلك قراءات انقرضت أو تكاد ولم يبق منها إلا التحديث بها ولا يتأتى وصفها ـ إجمالا ـ بالشذوذ ولا الضعف ولا الوهم بل كانت القراءة بها قرآنا يتلى في القرون الثلاثة الأولى بل فيما دونها أي ليست مما شذّ عن المصاحف العثمانية.
وأما القسم الرابع فهو ما أقحمه المصنفون في كتب القراءات كالذي اعترف به مكي وابن مجاهد وغيرهما أنهم لم يتلقوه أداء ولا وجدوه منصوصا ولا حدّثهم به شيوخهم تحديثا وإنما قاسوه على نظائره ليحافظوا على تعدد الروايات والقراءات رغم تواتر القرآن دونه كما أثبت في بحثي "القراءات القرآنية النشأة والتطور" ومنه هذه الخلاصة:
إن إيماني بضرورة تحرير البحث العلمي المجرد وحاجة الأمة إليه هو ما دفعني إلى إعلان المآخذ على كتب طرق المصنفين ابتداء بابن مجاهد وانتهاء بابن الجزري، مدرسة واحدة تمسكت بمنهج فرض القراءات السبع والعشر وغيرها بدل الأداء الذي قرأ به الصحابة الذين رافقوا المصاحف العثمانية.
منهج أدرج في القراءات والروايات من اللهجات والقياس ما لا يحتاج إليه القرآن ولا تحتاجه الأمة ولا البشرية أجمع بما حوت من باحثين مسلمين وغير مسلمين، وعليهم جميعا يقع الخطاب بتدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
منهج فرض على أصحابه القبول بجمع القراءات بدل إفرادها للمتأهلين للإجازات الشرعية، ذلك الجمع الذي فتح على الأمة بابا عريضا من الافتراض وضرب الحساب فلسفة أو قياسا على القياس مثل قولهم بتحرير الأوجه كحالات ? ءالآن ? المستفهم بها الخمس للأزرق وأن له في الحالة الأولى سبعة أوجه وفي الثانية تسعة أوجه وفي الثالثة والخامسة ثلاثة عشر وجها وفي الرابعة سبعة وعشرون وجها وهذا القياس يتوفر في مئات الكلمات من القرآن في كل رواية والعجيب أن هذه الأوجه وتحصيلها من الضرب يكثر في باب المد والإمالة وكل ما فيه الوجهان لأحد الرواة في كلمات القرآن حتى بلغ به بعضهم أربعة آلاف وجه.
منهج فرض على الأمة القبول باللهجات والقياس لتجذير المغايرة بين الروايات والقراءات حتى أصبحت بتعددها كأنها كلها منزلة من عند الله وهو قول في منتهى السقوط والافتراء كما تقدم ويترا الاستدلال عليه.
وأشكر للمصنفين من طرق الرواة ابتداء بابن مجاهد إلى ابن الجزري أمانتهم العلمية إذ لم يرفعوا إلى النبي ? ولا إلى أحد من الصحابة والتابعين ـ على سبيل المثال ـ مذهب حمزة وهشام في الوقف على الهمز المتطرف أو المتوسط إذ هو قياس على لهجات عربية انقرض أهلها منذ جيل التابعين إذ لم يعد في جزيرة العرب قبيلة متقوقعة لا تعرف غير لهجتها بل نفر الرجال إلى الجهاد واختلط العرب بالعجم مما يعني اختلاط العرب بعضهم ببعض.
¥