وقال في النشر (1/ 293) "إن القراءة ليست بالقياس دون الأثر"، وقال أيضا (2/ 263) "وهل يحل لمسلم القراءة بما يجد في الكتابة من غير نقل" اهـ، وقال الشاطبي "وما لقياس في القراءة مدخل" اهـ.
ولقد قرر مكي وابن الجزري وغيرهما من المصنفين أن ما صحّ نقله عن الآحاد وصحّ وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف أنه يقبل ولا يقرأ به، ولا يخفى أن هذا القسم أقوى من القياس الذي يجب رده وعدم قبوله وحرمة القراءة به لأنه أضعف مما صحّ نقله عن الآحاد.
وأما ثالث المتناقضات فهي قضية ابن شنبوذ المتوفى سنة 328 هـ الذي كان يرى جواز القراءة بما صحّ سنده وإن خالف الرسم فعدّ معاصروه ـ ومنهم ابن مجاهد المتوفى 324 هـ الذي اشترك مع الوزير في محاكمته ـ ذلك من الشذوذ وأعجب من ذلك أن ابن مجاهد في سبعته قد اعتمد القياس.
القسم الخامس: الشذوذ
إن ثبوت الشذوذ والضعف والوهم في القراءات وتضمنها القياس الذي هو قراءة القرآن بأداء غير منزل حقائق مرة باعتراف المصنفين من طرق الرواة ابتداء بابن مجاهد وانتهاء بابن الجزري:
قال ابن الجزري في النشر (1/ 9) "ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمم بعد أمم وعرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ومنهم المقصّر على وصف من هذه الأوصاف وكثر بينهم لذلك الاختلاف وقلّ الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق"اهـ بلفظه محل الغرض منه
وقال (1/ 35) "وكان بدمشق الأستاذ أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي مؤلف الوجيز والإيجاز والإيضاح والاتضاح وجامع المشهور والشاذ"اهـ بلفظه محل الغرض منه.
قال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز " فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ "انتهى من النشر (1/ 10)
وقال عمرو ابن الحاجب "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/ 13).
وقال أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي " ... وهكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا " اهـ من النشر (1/ 44).
وفي غاية النهاية لابن الجزري "أن مصطلح القراءة الشاذة وقع في القرن الثاني وأن أبا حاتم السجستاني روى أن هارون الأعور العتكي البصري ت170 هـ هو أول من تتبع الشاذ من القراءات وبحث عن أسانيدها.
قلت: إن مدلول الشذوذ في القراءات يشمل:
1. الشذوذ عن المصاحف العثمانية
2. والشذوذ عن القياس في لسان العرب.
3. والشذوذ عن الأداء والطريق الواحدة.
وإنما قصدت في هذا البحث الشذوذ عن أداء المصاحف العثمانية.
ولم تنجب الأمة بعد صاحب النشر غير المقلدين المتوقفين المقيدين بقيدين اثنين من الأوهام:
1. أن قرنوا بين المراجعة وبين الطعن في الأعلام المتقدمين.
2. خوفهم من الخروج على المألوف الذي عرفه العوام منذ عشرات القرون.
ويكفي لإسقاط مذهب القائلين بترادف لفظي القرآن والقراءات أن من القراءات اجتهادات في الأداء مقطوعة الصلة بالرواية مثل مذهب وقف حمزة وهشام على الهمز وبعض الترقيق والتغليظ والإمالة والتسهيل المدرج قياسا في القراءات.
وهكذا يهدي البحث الابتدائي ـ غير المعمّق ـ إلى أن مدلول لفظ القرآن مغاير لمدلول لفظ القراءات مغايرة كاملة.
المبحث الرابع: مناقشة القول بتواتر القراءات السبع والعشر:
وإني لمن المذعنين إلى القول بتواتر القراءات إلى القراء والرواة فيما سلم منها من القياس، وللقائلون بإطلاق تواتر القراءات السبع أو العشر عاجزون عن إثبات تواترها متصلة الإسناد إلى النبي ? في كل وجه من أوجه الأداء في القراءات.
وأجدني مضطرا إلى تساؤل جاد أبتغي الجواب عنه من الباحثين المتخصصين المعاصرين واللاحقين: هل يتأتى القول بتواتر القسم الذي قاسه مكي بن أبي طالب وأترابه رحمهم الله ليقرأوا كلمات من القرآن بأداء غير منزل بشهادتهم هم أنفسهم إذ لم يقرأوا بذلك الأداء من قبل ولم يجدوه منصوصا في الكتب التي سبقتهم وإنما قاسوه من عند أنفسهم، وأقول: بدافع المحافظة على أداء متميز لكل راو من الرواة.
¥