جزا الله خيرا الأخ أبي فهر وليسمح لي بداية أن أعلق على السؤال الذي طرحه بقوله (ما هو الدليل على ... ) هكذا كأنه يسلم بوجود النسخ ثم يطلب لذلك الدليل! فلا أدري على ما بني وجود النسخ أصلا! والصواب -حتى لو ذكر العلماء وجود النسخ- أن نطلب الدليل لنعلم هل حدث نسخ أم لا. فأرى أن يكون السؤال: هل وقع نسخ في العرضة الأخيرة أم لا وما الدليل؟
وانقل اليكم مناقشة لهذا الموضوع وردت في رسالة ماجستير بعنوان (قواعد الترجيح والاختيار في القراءات عند الإمام مكي بن أبي طالب القيسي) / الجامعة الاردنية 2006 للباحث يحيى جلال إشراف الدكتور أحمد شكري.
.. وكان النبي e يعارض جبريل عليه السلام القرآن في شهر رمضان من كل عام، وفي العام الذي توفي فيه عارضه مرتين، كما جاء في الآثار ([1] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn1)).
ولا بد من وقفة متأنِّية مع (العرضة الأخيرة) التي أصبح لها شأن في كتب القراءات، وتمسّك بها كثير من الباحثين في توجيه القراءات التي لم تتواتر ولم تستمر، فقالوا إنها نسخت في العرضة الأخيرة. فهل فعلا حصل نسخ لبعض القراءات فيها؟ وهل عدم نسخها ثم عدم حفظها وتواترها يتعارض مع قول الله سبحانه وتعالى:) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ({الحجر 9}.
وللمضيّ في هذه المسألة سأستعرض النقاط التالية لعلها توضح المطلوب:-
أولاً: هل وُثقت الأحرف في عهد النبي e ؟ وهل أمر بكتابتها كما كان يأمر بكتابة القرآن الكريم فور نزوله؟
ومما عُلم أن نزول الأحرف حصل في المدينة, وكان أكثر القرآن قد نزل، وكان مكتوبا ([2] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn2)). ولم تسجل أحداث السيرة أن رسول الله e كلّف أحدا للقيام بهذا العمل بعد الهجرة وبعد أن نزلت الأحرف. وأشار غانم الحمد إلى أن كتابة القرآن كانت تتم في حياة النبي e بطريقة واحدة وهي القراءة العامة التي كان يقرؤها للصحابة دون تثبيت ما تسمح به رخصة الأحرف السبعة من وجوه مختلفة ([3] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn3)).
وقال سامر إسلامبولي: "إن الرسم للنص القرآني لا يحتوي أوجه القراءات, وبالتالي بقيت القراءات وسيلتها الوحيدة والأساسية للنقل هي التلقي سماعا وحفظ ذلك في الصدور" ([4] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn4)).
ولا يعني ما سبق أن الأحرف لم تكن تدوّن في المصاحف والمخطوطات الخاصة، فلم يُنقل نهيٌ في هذا، وجاء في الكتب نقل قراءات كانت مدوّنة في مصاحف الصحابة الخاصة، وأوضحُ دليل على ذلك أن المصاحف العثمانية اشتملت على بعض الأحرف.
فإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن الأمة ليست مطالبة بحفظ الأحرف جميعها، وأن الأحرف نزلت لأجل الأمة، وتُرك أمرها للأمة تقرأ بما شاءت منها، وإلا لبادر رسول الله e بالأمر بكتابتها.
ثم إن الأحاديث تنصّ على أن الأمة مخيّرة في القراءة بأي حرف شاءت, واختيار قراءة يؤدي إلى ترك أخرى, فهل تخيّر الأمة ثم تأثم إذا اختارت!؟
قال الداني: "أباح e لأمته القراءة بما شاءت منها مع الإيمان بجميعها والإقرار بكلها إذ كانت كلها من عند الله تعالى منزلة, ومنه e مأخوذة, ولم يُلزم أمته حفظها كلها ولا القراءة بأجمعها, بل هي مخيَّرة في القراءة بأي حرف شاءت منها، كتخييرها إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة بأن تكفر بأيّ الكفارات شاءت, إما بعتق وإما بإطعام وإما بكسوة, فكذا أُمروا بحفظ القرآن وتلاوته, ثم خُيروا في قراءته بأيّ الأحرف السبعة شاءوا, إذ كان معلوما أنهم لم يلزموا استيعاب جميعها دون أن يقتصروا منها على حرف واحد, بل قيل لهم: أي ذلك قرأتم أصبتم" ([5] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn5)).
ومن الصعب التفريق بين اختيار الأفراد واختيار الأمة, إذ الأفراد هم مجموع الأمة فإذا كان كل فرد أصاب بما صنع، فكيف يكون عمل الأمة خطأ؟!.
¥