ثانياً: توافرت الأدلة على نزول القرآن على سبعة أحرف, مما يدل على أهمية الموضوع وخطورته، وحضور القرآن دائما بين الصحابة. فهل يمكن أن ترفع بعض هذه الأحرف ويُمنع من القراءة بها، دون أن تنقل رواية واحدة ولو ضعيفة تفيد بأن بعض الأحرف نسخ. بل -أيضاً- تبقى هذه الأحرف تُقرأ وتُنقل ولا يوجد من ينكر، حتى تنبّه عثمان رضي الله عنه لذلك، وفي ظرف معيّن، لولاه لما ندري ما يمكن أن يحصل.
والأحداث لا تشير إلى إمكانية حدوث ذلك مطلقا, فمعلومٌ حرص الصحابة على القرآن واهتمامهم وانشغالهم به ومدارستهم له وتلاوته وختمه في الصلاة وغيرها, وسؤالهم عنه حتى أن أحدهم إذا عاد من الغزو سأل عما نزل من القرآن في غيابه ([6] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn6)). ومعلومٌ سرعة امتثالهم واستجابتهم لأمر الله ورسوله، يدل عليها كل تصرفاتهم صغيرها وكبيرها، وحادثة نسخ القبلة -ووصول الخبر إلى المسلمين في ساعات معدودة- مشهورة، وسجّلت كتب السيرة أن الصحابة سألوا عن حال من مات قبل أن تحوّل القبلة، ونزل في ذلك قرآن! ([7] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn7)) ألا يُفترض أن يكون أمر القرآن بهذه الأهمية؟ وصلته أيضا بالصلاة وطيدة!. إن هذه الأحوال تأبى أن يكون قد نُسخ شيء من الأحرف، ولم يعلم إلا القليل من الصحابة، وبقي الخبر يسير ببطء شديد حتى احتاج إلى قرون لتُحسم المسألة.
وفي الواقع فإن القول بأن ما سوى المتواتر منسوخ، فيه اتهام للأئمة القراء الذين جاء عنهم اختيارات لا يُقرأ بها الآن وتُصنَّف على أنها من القراءات الشاذة، وأبرزهم الأربعة المشهورون ابن محيصن واليزيدي والحسن البصري والأعمش، وغيرهم من الأئمة الذين تُذكر أسماؤهم مع القراء العشرة. وهل يمكن أن يُتصور أن يَتبوأ الحسن البصري مكانته العالية في العلم، وهو لا يعلم الثابت من غيره! أو أن يُقرِئ سليمان الأعمش تلميذَه حمزة بالثابت ويصطفي لنفسه المنسوخ! إلى غير ذلك مما يطول ذكره. وإذا صحّت قراءة هؤلاء ولم تتواتر، فهو دليل واضح على أن القراءات لم تتواتر جميعها، ونستطيع أن نطمئنّ عند ما تواجهنا قراءات في كتب التفسير والفقه والحديث غير متواترة، وألَّا نَعجل بردِّها، ولا نقطع بأنها إن صحت فهي مما نُسخ!.
ثالثا: جاءت الروايات تحدد وقت العرضات في شهر رمضان, والعرضة الأخيرة في رمضان الأخير في حياة رسول الله e .
ومعلوم أن وفاة الرسول e كانت في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ([8] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn8))، أي بعد رمضان بأكثر من خمسة أشهر.
فهل في هذه المدة الطويلة لم ينزل قرآن؟ الجواب: قطعاً نزل، فالوحي استمر نزوله حتى وفاته e ، بل ورد "أن الله سبحانه وتعالى تابع على رسول الله e قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي" ([9] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn9)). قال ابن حجر: "أي أكثر إنزاله قرب وفاته e"([10] (http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn10)).
وباستعراض الروايات التي تحكي (آخر ما نزل من القرآن) ([11] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn11)) مثل آية الكلالة وآخر براءة وسورة النصر وآيات الربا والدَّين وآية) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ({البقرة 281} التي ورد أنها نزلت قبل موته صلى الله عليه وسلم بتسع ليال, وبالرجوع إلى مظانّ القراءات الشاذة ([12] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn12)) نجد أن جميع هذه الآيات جاء فيها قراءات شاذة, فمتى نزلت ومتى نُسخت؟
وقد حصل بعد العرضة الأخيرة حجة الوداع , وخَطَب الرسول e في الأمة وأوصاهم وحذرهم وأشهدهم أنه بلغ وأدّى ونصح, أليس من المهم الإخبار عما نُسخ وُرفع ومُنع من قراءته؟ وقد قال e في موطِن آخر في موضوع آخر: "أبيحت لي ساعة من نهار" ([13] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=20221#_ftn13)).
رابعاً: لا يوجد خبر متفق عليه, أو دليل يحدد ما حصل في العرضة الأخيرة, أو وصف دقيق لها, بل كلها استنتاجات واجتهادات من علماء أكثرهم متأخرون بعد زمان العرضة الأخيرة, وبعضها مبنيّ على ما استقرت عليه القراءات لاحقا.
¥