تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

? حتى ولو سلّمنا جدلاً أنّ العمل بالتجويد ممكن دون العلم بقواعده وأحكامه فإنّ هذا الذي يقرأ القرآن ويجوّده بمجرد التلقي سرعان ما يلحن فيه ويقرأه بما لم ينزل به إذ لا يمكنه حفظ وضبط ما لا علم له به سوى نقل كنقل الببغاء لن يبرح أن تلحقه آفة الخلط والنسيان يقول الإمام مكي بن أبي طالب القيسي رحمه الله: "القراء يتفاضلون في العلم بالتجويد فمنهم من يعلمه روايةً وقياساً وتمييزا فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً فذلك الوهن الضعيف. لا يلبث أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف , إذا لم يبن على أصل ولا نقل على فهم"2 ِ ويقول أبو بكر بن مجاهد في وصف حملة القرآن: "مِن حملةِ القرآن: المعرِبُ العالمُ بوجوه الإعرابِ والقراءاتِ العارف باللغات ومعاني الكلام , العالم البصير بعيب لفظ القراءةِ المنتقد للآثار.3 فذلك الإمام الذي يفزعُ إليه حفاظُ القرآن من كلّ مصرٍ من أمصار الإسلام. ومنهم: من يُعرِبُ ولا يلحن ولا علمَ عنده غير ذلك. فذلك كالأعرابي الذي يقرأُ بلغته ولا يقدرُ على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه.4 ومنهم: من يُؤدّي ما سمعه ممّن أخذ عنه وليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم لأنّه لا يعرفُ الإعراب ولا غيره. فذلك الحافظُ فلا يلبثُ مثله أن ينسى إذا طال عهده , فيضيع الإعراب لشدّة تشابهه عليه , وكثرة ضمّه وفتحه وكسره في الآية الواحدة , لأنّه لا يعتمد على علم العربية. ولا به بصر بالمعاني يرجع إليه , وإنّما اعتماده على حفظه وسماعه. وقد ينسى الحافظ فيضيع السّماعَ , ويشتبه عليه الحروف , فيقرأ بلحنٍ لا يعرفه , وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره , ويبرّئ نفسه , وعسى أن يكون عند الناس مصدَّقاً , فيحمل ذلك عنه, وقد نسيه وأوهم فيه وحبسَ نفسه على لزومه والإصرار عليه. أو يكون قد قرأ على من نسيَ وضيّعَ الإعرابَ , ودخلته الشبهة فتوهّم. فذلك لا يَقلَّدُ القراءةَ ولا يحتجُّ بنقلِه ... "5 والخلاصة أنّ هذا الذي تمكّن من التجويد العملي دون الوقوف والنظر في التجويد العلمي لن يسلم من الخطأ والنسيان أو على الأقلّ لا ينبغي أنْ نأتمن ونطمئن لحفظه الخالي والمجرد من الضبط والدراية والوعي ... بل قد يتعدى خطره ويعظم إذا لحن أو نسي دون أن يتفطّن هو أو من يقلده وينقل عنه هذا الخطأ والنسيان ـ وكيف يتفطّن للخطأ وهو لا يملك آليات المعرفة والتمييز ـ فينقلب الباطلُ حقّاً والخطأ صواباً ... فيُحرّف كتاب الله ويعدلُ عنه والعياذ بالله ...

? ثمّ إنّ من كمال المقرئِ وتمام الإقراءِ الجمع بين التنظير والتطبيق بين العلم والعمل يقول مكي رحمه الله: "فنقلُ القرآن فطنةً ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً , فالرواية لها نقلها والدراية لها ضبطها وعلمها , فإذا اجتمع للمقرئ النقلُ والفطنة والدرايةُ وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة , إن كان له مع ذلك ديانة"6 ويقول الحافظ أبو عمرو الداني رحمه الله:" وقراء القرآن متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتميزاً وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعاً وتقليداً وهو الغبي الفهيه، والعلم فطنة ودراية آكد منه سماعاً ورواية، وللدراية ضبطها ونظمها وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم."7

? إنّ هذا الذي فرضناه تمكّن من التجويد العملي دون النظر في التجويد العلمي لا يمكنه أنْ يعلّمَ غيره وهو واجب إثمه لا يرتفع ولا يندفع عن الأمّة حتى يحصل فيه الكفاية ... كما أنّه لا يؤتمن على القرآن من نقله ـ كما تقدّم ـ فما فائدة موهبته تلك التي لا تتعداه لغيره.

? بعضهم علّق وجوب التجويد بما اتفق القراء عليه دون ما اختلفوا فيه يقول ابن حجر الهيثمي رحمه الله:"يجب وجوبا شرعيا على القارئ أن يراعي في قراءته الفاتحةِ وغيرِها ما أجمع القراءُ على وجوبه دون ما اهتلفوا فيه ... "8 , ولا يمكن التحقق ممّا اتفق عليه القراء وممّا اختلفوا فيه إلاّ بالوقف على كتبهم ومنقولاتهم لا بمجرد السماع ـ والله أعلم ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير