قال صاحب معجم مصطلحات علم القراءات يشرح هذا القول:"هو صون اللفظ عن اللحن الخفيّ , كالإدغام والإخفاء والقلب والترقيق والتفخيم , ممّا لا يتغير معه المعنى , لكن يذهب برونق وجمالية اللفظ , ومرتكبه غير آثم على أحد الأقوال."6
أما الأقوال الثلاثة الأخرى فنصّ عليها بقوله:
(158) والواجب الثاني أيّ الصناعي على ثلاثةٍ من الأنواعِ
(159) تعليمُ من بطبعه يجيدُ قراءةً أوْ شأنُهُ التقليدُ
(160) أو كان من حُكْمِ الوقوف يدري أو من مسائل اختلافِ القرّا
قال ابن غازي يشرح هذه الأوجه الثلاثة للواجب الصناعي:"الأوّل: ما كان من مسائل الخلاف نحو قوله {تجري من تحتها الأنهار} آخر التوبة ونحو قوله {فإنّ الله هو الغني الحميد} فإنّ الأوّل قرأه ابن كثير بزيادة {من} قبل {تحتها الأنهار} , وقرأه الباقون بترك تلك الزيادة. والثاني قرأه نافع وابن عامر و وكذا أبو جعفر بترك {هو} فيصير اللفظ {فإنّ الله الغنيّ الحميد} وقرأه الباقون {فإنّ الله هو الغني الحميد} بزيادة {هو} قبل {الغنيّ} وهذا الواجب أعني ما كان من وجوه الاختلاف لا يأثم تاركه ولا يتّصف بالفسق.
والثاني: ما كان من جهة الوقف فإنّه لا يجب على القارئ الوقف على محل معيّن بحيث لو تركه يأثم , ولا يحرم الوقف على كلمة بعينها إلاّ إذا كانت موهمة وقصدها و فإن اعتقد معناها كفر والعياذ بالله كأن وقف على قوله {إنّ الله لا يستحيي} {ومن إله إلاّ الله} {وإنّي كفرتُ} وشبه ذلك , ومعنى قولهم لا يوقف على كذا معناه أنّه لا يحسن الوقف صناعة على كذا وليس معناه أنّ الوقف يكون حراماً , قالوا: ونحو قوله {لقد سمع الله قول الذين قالوا} وابتدأ بما بعد ذلك7 فيحرم عليه فإن اعتقد معناه كفر كما هو ظاهر" 8
"والثالث: وجوبه على من أخذ القراءة علي شيخ متقن ولم يتطرّق إليه اللحن سبيلا من غير معرفة أحكام وعلى العربي الفصيح الذي لا يتطرق غليه اللحن سبيلا بأن كان طبعه القراءة بالتجويد من غير أن يخلّ بشيء في قراءته من الأحكام المجمع عليها فإن تعلم هذين للأحكام أمر صناعي أما من أخلّ بشيء من الأحكام المجمع عليها أو لا يكون عربيا فلا بدّ في حقّه من تعلّم الأحكام والأخذ بمقتضاها من أفواه المشايخ فإن لم يفعل أثم بالإجماع." اهـ9
يبدو أنّ هذه الأقسام والأنواع المذكورة ها هنا إمّا أنّها لا تخرج في حقيقة الأمر عن كونها مطلوبة عند القراء لكن ليس على سبيل اللزوم الشرعي الذي يوجب تركه المعصية والإثم كطلبهم نهاية التحسين والإتقان في التجويد ما يتطلّب اجتناب اللحون الخفية فهو واجب في علمهم مطلوب في فنّهم من تركه عزّر بما يقتضيه عرفهم ... والواجب في الوقف؛ نصّ غير واحد من الأئمة على وجوب بعض القفات في القرآن الكريم ولزومها ووضعوا لها علامات خاصة في القرآن الكريم عرّفه الشيخ الحصري رحمه الله بقوله: " هو الوقف على كلمة لو وصلت بما بعدها لأوهم وصلها معنى غير المعنى المراد ... "10 ولكن هذا الوجوب واللزوم لا يقصد به اللزوم الشرعي الذي يأثم تاركه وإنّما لزوما ووجوبا صناعي خاص كما قال الحصري:" ... وسمي الوقف على هذه المواضع وما شاكلها لازماً للزومه وتحتّمه , وليس معنى ذلك أنّه لازم شرعاً بحيث يستحقّ القارئ الثواب على فعله , والعقاب على تركه , بل المعنى أنّه لازم لجودة التلاوة , وإحكام الأداء , فالقراءة لا تكون جيّدة الصنع , محكمة النسج , بديعة النسق إلاّ إذا روعيت فيها هذه الوقوف."11 وهذا القسم من الوجوب هو الذي أشار إليه الإمام الحافظ ابن الجزري بقوله في المقدمة
وليس في القرآن من وقف وجب ولا حرام غير ما له سبب
يقول الملا علي القاري في شرح هذا البيت ما نصّه: " ... فيجوز وصل الكلمات من أوّلها على آخرها في القرآن العظيم , ولا يكون فاعله تاركاً لواجب عليه بمعنى أنّه يأثم بترك الوقف لديه, وإنّما ينبغي له بالوجوب الاصطلاحي12 ويستحب له باللزوم العرفي في مراعاة الوقوف القرآنية ... "13
¥