تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

? علماء الإسلام قبل ترجمة المنطق وضعوا تعريفات وحدودا لشتى العلوم والماهيات والحقائق دون أن يلجؤوا إلى قواعده بل دون أن يعلموا به أصلاً ... وقد تنوعت تعريفاتهم بين التعريف بالتمثيل كما فعل النحاة مع الاسم والفعل والحرف والتعريف بالصفات السلبية كما فعل الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معلوم) 5 وعرّفوا أشياء بترك تعريفها إمّا لأنّ المعرَّف بفتح الراء أعرف من المعرِّف بكسرها كالمثال الذي تقدّم عن القرآن أو كتعريف الماء والنار والهواء ... وإمّا لأنّ المعرَّف لا يمكن إدراك حقيقته وكيفيته كما صنعوا في صفات الله تعالى قال الإمام مالك رحمه الله (أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف) 5 وقد يتوسعون في ضبط بعض التعريفات إذا دعت الحاجة لذلك بسبب اللبس والشبهة كما فعلوا في تعريف الإيمان وقد بدَؤوا بتعريفه بالنية أو بالإسلام أو بترك تعريفه أصلاً فلما زعم المبتدعة أنّه مجرد ما وقر في القلب قالوا (هو قول ونية) ثمّ لمّا زعم آخرون أنّ العمل ليس من مهية الإيمان قالوا (هو قول ونية وعمل) ولما ظهر من يقول أنّ الإيمان ثابت زادوا ((و قول ونية وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي) وهكذا كانوا يتوسعون في التعريف بقدر الحاجة وبحسب ما يعرض من اللبس والشّبهِ6 ...

? إنّ أكثر حدود المناطقة لا تزيد المحدود المعرَّف إلاّ غموضا كما صنعوا في تعريف الماء والنار والهواء والغضب والفرح والألم ...

? كثير من حدودهم لا فائدة فيها ولا تزيد شيئا على ما في المحدود كتعريفهم للزكاة بقولهم (إخراج مال مخصوص في وقت مخصوص لطائفة مخصوصة)

? أكثر حدود المناطقة غير مستقرّة ولا تسلم من النقد وفق مناهجهم وقواعدهم ولعل أشهر هذه الحدود حدّهم للإنسان بأنه حيوان ناطق فقد انتقد في جزئيه؛ في الأوّل بكون الإنسان يختلف عن الحيوان في سيمات وميزات كثيرة غير النطق ... وفي الثاني بكون النطق غير منتفٍ عن الحيوانات مطلقا بل بالنسبة إلى إدراكنا ومعرفتنا لا غير ...

? إنّ علم المنطق أوّل ما وضع وضع للردّ على السفسطائيين المنكرين لحقائق الأشياء ... ثمّ توسعوا فيه إلى أن زعموا أنّه علمٌ لا يستغنى عنه وأنّ حقائق الأشياء لا تتصور ولا تدرك إلاّ به ... ويبدو أنّ المناطقة تفننوا في وضع حدودََ كلّ شيءٍ إلاّ أصل علمهم (المنطق) لم يوفقوا ولم يتفقوا على حدٍّ جامعٍ مانعٍ ـ رغم مرور أكثر من مائتين وخمسين سنة على وضعه ـ حدّ يمنعه من أن يتجاوز ما وضع له وأن يزعم ما ليس عنده ...

? إنّ حدّ الأشياء وتعريفها ليس متوقفا على المناطقة دون غيرهم بل لأصحاب كلّ فنّ وعلم إن يعرّفوا علمهم ويحدّوا مصطلحاتهم بما يوضّحها ويميّزها عن غيرها خاصّة وأنّهم أعلم بها وأحوج إليها من غيرهم

وخلاصة الانتقادات المتقدمة أن يقال:

1) إدراك الشيء غير متوقف على معرفة حدّه بالضرورة

2) حدّ الشيء ليس هو أهمّ ما فيه

3) حدّ الشيء ليس هو أصله بمعنى أنّه متفرع عنه

4) تعريف الأشياء وحدّها ليس من اختصاص المناطقة دون غيرهم

ولا ضير من الاستعانة ببعض قواعدهم وبعض ضوابطهم في حدِّ حدود يقع فيه اللبس والتداخل من شأنها أن تزيلها وتقرّب فهمها وإدراكها إذا اجتنبت السلبيات المتقدمة ... ولهذا السبب لم ينكر ابن تيمية مطلق حدود المناطقة وإنّما أنكر اعتقاداتهم المتقدمة و تكلّفهم الشديد وتمحّلهم المقيت حيث يقول: (فأمّا الحدود المتكلّفة فليس فيها فائدة لا في العقل ولا في الحسّ ولا في السمع إلاّ ما هو كالأسماء مع التطويل أو ما هو كالتمييز كسائرالصفات ... ) 7 ويقول الشيخ ابن عثيمين: (إنّ الحدّ لا شكّ أنّه يبيّن في بعض الأحيان , ويوضّح , ولكن ليس لنا أن ندّعي أنّه أصل كلّ علم ... ) 7

وقد جرى العمل عند أهل العلم قديما وحديثا على وضع مثل هذه التعريفات والحدود المنضبطة الموجزة والجامعة المانعة ...

ضوابط الحدود وشروطها:

سنذكر في هذا المطلب أهمّ الضوابط والشروط التي وضعوها للتعريفات والحدود حتى تكون موضحة واصفة للمحدود ومميّزة له عن غيره ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير