ـ[أبو المنذر الجزائري]ــــــــ[23 Aug 2010, 03:26 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طرأ على فكري تخمين وهو: لماذا لا يكون لفظ الإقلاب من الأخطاء الشائعة التي انتشرت في عصر ابن الجزري وصارت من الشائع المتوارد، وبخاصة إذا علمنا أنه قد ألفت قبل عصر ابن الجزري كتب في تصحيح أخطاء الأدباء والعلماء في اللغة فضلا عن العامة ككتاب "درة الغواص في أخطاء الخواص" للإمام النحوي الأديب أبي محمد القاسم بن علي الحريري صاحب المقامات، أضف إلى ما ذكرنا أن ابن الجزري رحمه الله كان شابا لما ألف كتاب التمهيد، ولم نره استعمل لفظ "الإقلاب" في أي من كتبه الأخرى، فقد يكون قد وقع في ذلك الخطأ ـ وجلّ سبحانه من لا ينسى ولا يخطئ ـ، وذهل أن يصححه بعد ذلك، وأقبل النساخ ينسخونه بذلك الخطأ، والنساخ ـ كما هو معلوم لدى من يعاين المخطوطات ويعالج كُرَبها ـ لا يحسن الجم منهم الخط وأصول الإملاء والنحو والصرف. وهذا كما قلت أولا كله تخمين قد يحتمل الخطأ كما قد يحتمل الصواب.
وما ذكره أخونا الشيخ الشمراني من استدلاله بآية: "والله أنبتكم من الأرض نباتا" فبعيد، فـ: "نباتا" نائب عن المصدر لأن المصدر "إنباتا"، وكلمة "نبات" اسم جنس جمعي غير مشتق فليس له فعل من لفظه كـ: شجر، فأين هي صحة القياس؟
وأشكر أخانا عبد الحكيم على حسن اعتنائه واهتمامه، بارك الله في جهود الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله.
تم تحريره من قبل لجنة الإشراف
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[23 Aug 2010, 10:37 ص]ـ
لا يقال عما حكاه بعض أئمة اللغة إنه من الأخطاء الشائعة، وإنما يقال: لغيّة (بالتصغير) أو لغة قليلة، أو لغة ضعيفة أو نحو ذلك.
وبالنظر فيما تفرد اللحياني بحكايته يظهر أنه لغة ضعيفة أو شاذة في أغلب الأحيان.
وأيا ما كان الأمر فمثل هذا المصطلح مشهور عند أهل التخصص، فحتى لو كان غلطا من جهة اللغة، فهو صحيح من جهة الاصطلاح؛ وقد يكون هذا من باب التوليد لإظهار المعنى؛ كما قال الحافظ العراقي:
ثم الوجادة وتلك مصدر ........... وجدته مولدا ليظهر
تغاير المعنى ..........
والله أعلم.
ـ[حكيم بن منصور]ــــــــ[27 Aug 2010, 08:46 ص]ـ
أود أن أضع فيما يلي خلاصة ما كتبت هناك في مسألة "القلب": هل هو قلب أو إقلاب؟.
وكان جواباً عن سؤال الشيخ عبد الحكيم عن معنى الشاذ والضعيف في اللغة.
فقلت: الضعيف عرفه السيوطي في المزهر بقوله: (الضعيف: ما انحط عن درجة الفصيح، والمنكر أضعف منه وأقل استعمالاً بحيث أنكره بعض أئمة اللغة ولم يعرفه).
وحكم الضعيف أنه لا يحتج به ولا يجوز استعماله إلا في ضرورة الشعر، وقد عقد سيبويه في كتابه باباً بعنوان "باب ما يجوز في الشعر من إيا ولا يجوز في الكلام"، أي أنه يجوّز في الشعر ما لا يجوّز في اختيار الكلام.
وأما الشاذ فهو: خلاف المطرد، وإذا كان المطرد يقاس عليه ويطرد استعماله فإن الشاذ هو الذي لا يقاس عليه أو لا يطرد استعماله.
وحكم الشاذ أنه لا يعتدّ به ولا يعرج عليه كما قال أئمة اللغة في مصنفاتهم، وإنما يقتصر فيه على حكاية ما سمع عن العرب، قال أبو البركات الأنباري في الإنصاف: ( ... الشذوذ الذي يقتصر فيه على السماع لقلته ولا يقاس عليه؛ لأنه ليس كل ما حكي عنهم يقاس عليه، ألا ترى أن اللحياني حكى أن من العرب من يجزم بـ "لن" وينصب بـ "لم" إلى غير ذلك من الشواذ التي لا يلتفت إليها ولا يقاس ... ).
وبناءً على ذلك: فإن استعمال "الإقلاب" ضعيف من حيث اللغة، أي أنه انحط عن درجة الفصيح، فكيف يسوغ استعماله كمصطلح في مسألة متعلقة بأفصح الكلام.
ومما يجدر التنبيه عليه: أن قول العلماء "لا مشاحة في الاصطلاح" أو "لا حجْر في الاصطلاح" كل ذلك مبني على ما إذا كان المصطلح أصلاً ثابتاً من حيث اللغة.
وللشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد رسالة في هذا الباب بعنوان "المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغى" وقرر فيها أن الاصطلاحات ينبغي تنزيلها على مقاييس اللغة العربية ومقاييس الشريعة وقواعدها، فيحسن الرجوع إلى تلك الرسالة للاستزادة، والله أعلم.
ثم نبهت على الحديث الصحيح الذي يمكن أن يحتج به على ثبوت هذا المصطلح بالصيغة الرباعية.
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد قال: (أتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من على فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقلبوه فاستفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول الله، فقال ما اسمه؟ قال فلان يا رسول الله، قال لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر).
ولكن هذه الصيغة لم يقبلها علماء الحديث حيث قرروا أن الصواب في اللفظة أن يكون ثلاثياً:
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار: (وفي حديث المنذر بن أبي أسيد حين ولد فأقلبوه وفيه "أقلبناه يا رسول الله" كذا جاءت فيه الروايات في كتاب مسلم، صوابه في كل هذا "قلبناه" أي رددناه وصرفناه، ولا يقال فيه "أقلب").
وقال ابن الأثير في النهاية: (فقالوا: "أقلبناه يا رسول الله" هكذا جاء في رواية مسلم وصوابه "قلبناه" أي رددناه).
وإذا كان العلماء لم يرتضوا هذه اللغة الضعيفة مع أنها وقعت في حديث صحيح فصوبوها على اللغة الفصيحة، فكيف إذاً يمكن أن تقبل إذا وقعت في كلام آحاد الناس، والله أعلم.
¥