تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أتتك أميرَ المؤمنين ألوكةٌ=من الحرم الأقصى لأمرك تَمهَد

سيوفُ بني عيلانَ قامت شهيرةً=لدعوتك العلياء تهدي وترشد

وطافت ببيت الله فاشتدّ شوقُه=إليك ولبّى منه حِجرٌ ومسجد

وحجّ إليك الركن والمروُ [2] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=20#_ftn2) والصّفا=فأنت لذاك الحجّ حجٌّ ومقصد

مشاعرُها الأجسام والروحُ أمركم=ومنكم لها يرضى البقاء المخلَّد

فلله حجٌّ واعتمارٌ وزَورةٌ=أتتنا ولم يبرحْك بالغرب مشهد

ولله سبعٌ نَيّراتٌ تقارنت=بها فئة الإسلام تحمى وتسعد

فدم للورى غيثاً وعزّاً ورحمةً=فقربك في الدارين مُنجٍ ومُسعِد

وزادت بك الأعيادُ حسناً وبهجةً=كأنّك للأعياد زيٌّ مُجدَّد

ولا زلت الأيّام تُبلي جديدَها=وعمرُك في ريعانه ليس ينفد

ثم إنّهم أدام الله سبحانه تأييدهم، ووصل سعودهم، لِما أرادوا من المبالغة في تعظيم المصحف المذكور، واستخدام البواطن والظواهر فيما يجب له من التوقير والتعزير، شرعوا في انتخاب كسوته، وأخذوا في اختيار حليته، وتأنقوا في استعمال أحفظته، وبالغوا في استجادة أصْوِنته، فحشروا له الصّنّاع المتقنين، والمهرة المتفنّنين، ممن كان بحضرتهم العليّة، أو سائر بلادهم القريبة والقصية، فاجتمع لذلك حذّاقُ كل صناعة، ومهرةُ كل طائفة؛ من المهندسين والصواغين والنظّامين والحلائين والنقاشين والمرصّعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين، ولم يبق من يوصف ببراعة، أو ينسب إلى الحذق في صناعة، إلا أحضر للعمل فيه، والاشتغال بمعنى من معانيه، فاشتغل أهل الحيل الهندسية بعمل أمثلة مخترعة، وأشكال مبتدعة، وضمّنوها من غرائب الحركات، وخفيّ إمداد الأسباب للمسببات، ما بلغوا فيه منتهى طاقتهم، واستفرغوا فيه جهد قوتهم، والهمةُ العليّة - أدام الله سموها - تترقى فوق معارجهم، وتتخلّص كالشهاب الثاقب وراء موالجهم، وتُنيف على ما ظنّوه الغاية القصوى من لطيف مدارجهم، فسلكوا من عمل هذه الأمثلة كل شِعب، ورأبوا من منتشرها كل شَعب، وأشرفوا عند تحقيقها وإبراز دقيقها على كل صعب، فكانت منهم وقفة كادت لها النفس تيأس عن مطلبها، والخواطر تكرّ راجعةً عن خفيّ مذهبها، حتى أطلع الله خليفته في خلقه، وأمينه المرتضى لإقامة حقّه، على وجه انقادت فيه تلك الحركات بعد اعتياصها، وتخلّصت أشكالها عن الاعتراض على أحسن وجوه خلاصها، ألقوا ذلك - أيدّهم الله بنصره، وأمدهم بمعونته ويسره - إلى المهندسين والصنّاع فقبلوه أحسن القبول، وتصوروه بأذهانهم فرأوه على مطابقة المأمول، فوقفهم حسن تنبيهه ممّا جهلوه على طور غريب من موجبات التعظيم، وعلموا أن الفضل لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم - وسيأتي بعد هذا إشارة إلى تفصيل تلك الحركات المستغربة، والأشكال المونقة المعجبة، إن شاء الله تعالى

ممّا صنع للمصحف العظيم من الأصونة الغريبة، والأحفظة العجيبة:

- أنّه كسي كلّه بصوان واحد من الذهب والفضّة ذي صنائع غريبة من ظاهره وباطنه، لا يشبه بعضها بعضاً، قد أجري فيه من ألوان الزجاج الرومي ما لم يعهد له في العصر الأول مثال، ولا عَمَرَ قبله بشبهه خاطرٌ ولا بال، وله مفاصل تجتمع إليها أجزاؤه وتلتئم، وتتناسق عندها عجائبه وتنتظم، قد أسلست للتحرّك أعطافها، وأُحكِم إنشاؤها على البُغية وانعطافُها، ونظم على صفحته وجوانبه من فاخر الياقوت ونفيس الدّرّ وعظيم الزمرد ما لم تزل الملوك السالفة والقرون الخالية تتنافس في أفراده، وتتوارثه على مرور الزمن وترداده، وتظنّ العز الأقعس، والملك الأنفس، في ادخاره وإعداده، وتسمي الواحد منها بعد الواحد بالاسم العلَم لشذوذه في صنفه واتحاده، فانتظم عليه منها ما شاكله زهر الكواكب في تلألؤه واتقاده، وأشبهه الروض المزخرف غبَّ سماء أقلعت عن إمداده.

وأتى هذا الصّوان الموصوف رائقَ المنظر، آخذاً بمجامع القلب والبصر، مستولياً بصورته الغريبة على جميع الصّور، يدهش العقول بهاءً، ويحير الألباب رواءً، ويكاد يعشي الناظر تألّقاً وضياءً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير