قلت: أساء ابن الجوزي في إعلاله الحديث بـ: «زهير»! كما أساء التصرف في عبارة البخاري! ولفظ البخاري في حق زهير: «ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح»، نقله عنه المزي في «تهذيبه»، والراوي عن زهير لم يتبين لي كونه شاميا أو بصريا؟! وإن كان الأقرب أنه شامي، لكون الراوي عنه – يعني إبراهيم بن محمد الحلبي- من أهل حلب الشام.
ثم رأيتُ أبا أحمد الحاكم قد نصَّ في «الكنى» [1/ 182/طبعة دار الغرباء الأثرية] على كونه سكن البصرة، أعني إبراهيم الحلبي، وقال ابن حبان في ترجمته من «الثقات»: «من أهل البصرة»، فربما كان التقى بـ: «يحيى بن الحارث» هناك، فيكون يحيى بصريا على التحقيق.
ويحيى الشيرازي هذا: ذكره العجلي في «تاريخه» ثم قال: «شيرازي ثقة صاحب سنة»، وكذا وثقه إبراهيم بن محمد الحلبي في روايته عنه هذا الحديث عند ابن خزيمة وغيره، فقال: «حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي - وكان ثقة، وكان عبد الله بن داود- لعله الخريبي- يثني عليه». فالأشبه أنه شيخ صدوق صالح.
وليس هو: «يحيى بن الحارث الطائي» الذي يروي عن أخيه: «زهدم بن الحارث الطائي»، وعنه زيد بن أخزم! وقد وهم المزي وذكر «زيد بن أخزم» من تلاميذ: «يحيى بن الحارث الشيرازي» في «تهذيبه»! كأنه ظنه والذي يروي عن أخيه: «زهدم» واحدًا! وليس بناهض عندي! وقول الحافظ عنه بالتقريب: (مقبول) غير مقبول؟ وقد صحح له الحاكم وغيره هذا الحديث.
أما إبراهيم بن محمد الحلبي: فقد روى عنه جماعة من الثقات الأكابر، وذكره ابن حبان في «الثقات»، فقال: «يروي عن أبي عاصم والبصريين روى عنه عمر بن محمد الهمداني، يخطيء» وهذا دليل على كونه قد استقرأ حديثه فوجده ثقة له أوهام، وتوثيق ابن حبان لهذه الطبقة معتمد على التحقيق، وقد قال عنه الحافظ في «التقريب»: «صدوق يخطيء» وقبله قال الذهبي في «الكاشف»: «صدوق»، وصحح له الحاكم وغيره هذا الحديث.
والحديث: لم ينفرد به زهير بن محمد بن التميمي عن أبي حازم، بل تابعه محمد بن مطرف أبو غسان المدني الثقة الإمام، مقرونًا مع زهير عند البيهقي من هذا الطريق: «عن إبراهيم بن محمد الحلبي البصري ثنا يحيى بن الحارث ثنا زهير بن محمد التميمي وأبو غسان المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد»، ووقعت روايته بانفراد عنه عن أبي حازم عن سعد به ... عند ابن خزيمة [رقم/1499] نا يحيى بن الحارث ثنا أبو غسان المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله r: « بشر المشائين في الظلام بالنور التام».
وقد قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» [1/ 167] بعد أن ساق هذا الحديث: «هذا إسناد فيه مقال، إبراهيم بن محمد هذا قال ابن حبان في الثقات: «يخطيء»، وقال الذهبي في الكاشف: «صدوق» ولم أر لأحد ممن تكلم في الرجال كلاما غيرهما، وباقي رجال الإسناد ثقات».
قلت: التحقيق أن إبراهيم شيخ صدوق، كما مضى بيانه، بل رأيت مغلطاي قد نقل توثيقه عن «يحيى» في كتابه «الإعلام» [1/ 1296]، ويحيى: كأنه ابن معين، وهو المراد عند الإطلاق في كتب المتأخرين، وكأنه لأجل ذلك قال مغلطاي: «هذا حديث إسناده صحيح»، ثم رد على ابن الجوزي إعلاله بـ: «زهير التميمي»، وقال العراقي في «أماليه»: «هذا حديث حسن غريب»، وقبلهم صححه الحاكم أيضًا، لكنه وهم كعادته فقال: «على شرط الشيخين»! هكذا جازف! ولم يخرج الشيخان ولا أحدهما لإبراهيم بن محمد الحلبي وشيخه شيئا قط!
وقبله أخرج ابن خزيمة هذا الحديث في «صحيحه» لكنه قال: «غريب غريب»! ولا ريب في غرابة الحديث من هذا الطريق، ومن فهم من غرابته ضعْفه فلم يُنْصف! ولو كان ابن خزيمة يراه ضعيفًا؛ لأعله عقب روايته بأحد رواته، ولما اكتفى بالحكم عليه بالغرابة فقط! هذا ما عندي بشأن هذا الحديث هنا، وقد بسطنا الكلام عليه مع تخريج أحاديث الباب في كتابنا: «غرس الأشجار» والله المستعان لا رب سواه.
انتهى بحروفه من: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [1113].
ـ[أبو محمد الشربيني]ــــــــ[13 - 08 - 10, 05:25 ص]ـ
أخي الكريم، أبو المظفر، شكر الله لك هذا الجهد
ولو راجعت السلسلة التي كانت تصدر من دار الحرمين فيما لا يصح منه شيئ؛ ففيها هذا الحديث.
ووضح لنا، هل أنت توافقهم أم تخالفهم، مع بيان السبب.
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[15 - 08 - 10, 12:18 ص]ـ
أخي الكريم، أبو المظفر، شكر الله لك هذا الجهد
ولو راجعت السلسلة التي كانت تصدر من دار الحرمين فيما لا يصح منه شيئ؛ ففيها هذا الحديث.
ووضح لنا، هل أنت توافقهم أم تخالفهم، مع بيان السبب.
أكثر المتأخرين الذين ضعفوا حديث سهل بن سعد في هذا المقام، قد أعلوه بجهالة بعض رواته! كما فعل بعض إخواننا في تخريجه هذا الحديث أدناه:
تخريج حديث: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb//showthread.php?t=69364)
ولم يفعلوا شيئا! لأن رجاله كلهم ثقات معروفون كما أوضحنا ذلك.
وتضعييف الحافظ العقيلي لأحاديث الباب: ليس دليلا على وقوفه على حديث سهل بن سعد ضرورة! ولو وقف عليه، لكان أشار إليه، وعلى التسليم بوقوفه عليه، فلعله غاب عنه حال بعض رواته؟ فلذلك حكم بِلِينِ إسناده؟ وقد عرفتَ ما فيه؟
¥