قلت: ولم يفعل الرجل شيئًا! وقد تابعه على هذا الوهم: الباحث سليم الهلالي في كتابه: «بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين» [3/ 17]! إلا أنه استدرك على نفسه في «عجالة الراغب المتمني» [1/ 34]، فقال: « ... وهذا سبق قلم مني، لأن أبا الصهباء راوي حديثنا هذا كوفي، وذاك الذي وثقه أبو زرعة - واسمه صهيب - بصري، وهما مختلفان».
قلت: وأزيد عليه: بأن البخاري وأبا حاتم وابن حبان وأبا أحمد الحاكم وغيرهم كلهم قد فرقوا بين الرجلين، وغايروا بين الشخصين، وأيضًا فأبو الصهباء البكري متقدم الطبقة على أبي الصهباء الكوفي، ذاك يروي عنه سعيد بن جبير، وهذا يروي عن سعيد بن جبير!
وقد أغرب الإمام الحافظ مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الأَصْبَهَانِيُّ، وقال في «الفوائد الملتفظة والفرائد الملتقطة من مسموعات أبي الفتح الخرقي» [عقب رقم/19/مخطوط/بترقيمي]، بعد أن ساق الحديث من طريق أبي بكر ابن السني، ثنا أبو خليفة، ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري به ... قال: «أبو الصهباء هذا اسمه صلة بن أشيم العدوي، عداده في البصريين، يروي عنه الحسن بن أبي الحسن البصري، وحميد بن هلال، وثابت بن أسلم البناني، وزوجته معاذة العدوية، وقال الإمام أبو أحمد العسال: هو بصري ثقة قتل بخراسان في بعض الغزوات في ولاية الحجاج، روى عنه أبو السليل»!
قلت: وهذا من الأوهام العجيبة! فإنه لا يُعرف لصلة بن أشيم رواية عن سعيد بن جبير أصلا! ولا ذكروا أن حماد بن زيد يروي عنه! وكيف يروي عنه حماد وهو لم يدركه أصلا! بل لمَّا قُتِلَ صلة بن أشيم ببلاد كابل غازيًا لم يكن حماد قد ارتكض في رحم أمه بعد! بل لم يكن أَبَوَا حماد قد التقيا في تلك الحياة أصلا؟! وقد كان مقتل «صلة» في أول ولاية الحجاج على العراق سنة خمس وسبعين للهجرة، أما حماد بن زيد فقد كان مولده سنة ثمان وتسعين، كما ذكر تلميذه خالد بن خداش! فكيف خفي مثل هذا على مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ وهو «الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُفِيْدُ أَصْبَهَان، الذي كَتَبَ الكَثِيْر، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَحَدَّثَ»، كما يقول الذهبي في ترجمته من «سير النبلاء»!؟ لكن المعصوم من عصمه الله وحده.
وصلة بن أشيم هذا: شيخ قديم معدود من كبار التابعين، بل ذكره جماعة في الصحابة؛ لكونه أرسل حديثًا! قال الحافظ في «الإصابة» [3/ 463]: «ذكر أبو موسى- يعني محمد بن عمر الأصبهاني الحافظ - أنه قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين وهو ابن مائة وثلاثين سنة، قلت: فعلى هذا فقد أدرك الجاهلية».
قلت: وكان صلة من أولئك الزهاد العباد المجاهدين، الذين شغلتهم العبادة والغزو عن الرواية والسماع، فلهذا قلَّتْ رواياته في دواوين الإسلام! وذاعت الأخبار عنه في «الزهد والرقاق»، وله مواعظ تذوب منها الصخور، وتموج لحرارتها أمواج البحور!
ومن بليغ أخباره: ما رُوِّيناه في «حلية الأولياء» [2/ 238] بالإسناد الصالح عن ثابت البناني قال: «كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبانة- يعني المقابر- فيتعبد فيها- يعني بجوارها - فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق، وناموا بالليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة، فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم إنه لا يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام! ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات».
تابع البقية: ....
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[21 - 09 - 10, 09:32 م]ـ
وعود على بدء فنقول: ومع صلاح هذا الإسناد إلا أنه اختلف على حماد بن زيد في رفعه ووقفه؟ فرواه عنه محمد بن الفضل السدوسي على الوجه الماضي مرفوعًا، وتابعه عليه جماعة: منهم:
1 - سهل بن محمود أبو السري: عند أبي نعيم في «الحلية» [4/ 309] حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر قال: ثنا محمد بن غالب تمتام قال: ثنا عارم ومسدد وسهل بن محمود قالوا: ثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي r به نحوه ...
قلت: وهذه متابعة مخدوشة! وأبو بحر ابن كوثر تكلم فيه غير واحد من النقاد! راجع: ترجمته من «الميزان» ولسانه [5/ 131].
¥