فكيف سيرد العقلاني القزم على حكمه لما يرد في صحيح البخاري حديث عن التيمم يبين حكمه ووصفه مرويًا عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة الكرام والأطهار؟
هل سيعد الحديث مدسوسًا أو ترهات وأوهامًا، أم هل سينكر التيمم أصلا؟ أم هل يسلم بأن التيمم مسألة تعبدية توقيفية؟
فالذي يدعي الإسلام والإيمان به حقيقة لا بد له من التسليم بهذه الأحاديث وأخذها كما هي من غير تعليل أو تحليل؛ لأنها تتعلق بالعبادة المرتبطة بالغيب والتشريع، والغيب لا مجال للعقل في تحديد أحكامه وعناصره بقياسه على ما هو معهود في عالم الشهادة، أو كما يعرفه الفلاسفة بعالم الكون والفساد، حيث يسود المنطقُ الفاسد الذي يريد أن يزن الجبال بميزان الذهب، فهل هذا معقول أيها العقلاء؟
ناهيك عن أن ما في الجنة مما في الأرض -فيما وصفه الشرع- إلا الأسماء، وإلا ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
3) ومن الغباء والسخافة أن يقف البعضُ عند قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف الحورية من الجنة بأنها: "يُرى مُخُّ ساقها" لتسويغ رفض الحديث بمعنى شهوي بليد وحيواني متطرف، دون الانتباه إلى سياق الحديث ونهاية معناه الجميل والمبين أن المسألة أجمل مما يتصور، ألا وهو كلمة "من الحسن" الموالية لهذا الوصف، وحيث إن صفة الحسن قد وردت في الحديث، فمعنى مخ الساق دليل على نوع من الجمالية الغيبية الفائقة والتي لا تقاس بالجمالية الحيوانية التي اعتادها بعضُ المتأثرين بالصور الأرضية، ولم يستطيعوا –لبلادتهم- التخلصَ منها؛ لأنهم يفتقدون القدرة على توظيف ما عبرنا عنه بالإمكان الذهني والتطلع إلى ما هو أعلى مما هو عليه العالم الدنيوي الفاني، وذلك لأن مخهم حينما يتصورونه بشكله المادي لا يولد لديهم سوى الغثيان والتقزز على شكل انعكاسات شرطية كما استنتجها بافلوف من كلبه الاختباري!!!.
الشيء نفسه قد يحدث لدى الكثير من المغرَّر بهم للتجرؤ على الحديث النبوي الصحيح الوارد في البخاري وغيره، وخاصة لدى بعض النساء من متزعمات الجمعيات ومدعيات الدفاع عن حقوق المرأة، وذلك حينما يرفضون حديث "خلقت المرأة من ضلع أعوج"، متوهمين أو موهمين بأن هذا استنقاصٌ لمكانة المرأة وقيمتها الوجودية، ناسين بأن خلقة المرأة من الناحية الوجودية والبيولوجية أكثر تقدمًا من الرجل؛ لأن هذا الأخير قد خلق من التراب مباشرة، أما هي فقد خلقت من الكائن الحي المتطور، وشتان ما بينهما!.
إضافة إلى هذا -وبإيجاز شديد- فإن وصف المرأة في ابتداء خلقها بهذا الوصف دليل على امتلاكها عنصر الجمال في تكوين الرجل والمرأة معا، وهذا كمال ما بعده من كمال! إذ لولا اعوجاج الضلع لكان القفص الصدري للرجل عبارة عن نتوء لصفائح الزوارق أو قبعات صينية!!!
هذا من الناحية الشكلية الظاهرية، أما من الناحية الفكرية الفلسفية فهناك مبدأ علمي يقول: "نقصانُ الكون عينُ كماله"، ويمثل بعضُ المفكرين المستنيرين -كالغزالي رحمه الله تعالى- بهذا المثال الرائع: "لولا اعوجاجُ القوس لما صَلَحَ للرمي"، فليعتبر كلٌّ من الرجال والنساء بهذا المعنى ليستخلصوه من الحديث النبوي الشريف، عسى أن يحفظوا جمالهم الظاهر والباطن معًا ليتم التكاملُ في وجود الرجل والمرأة على حد سواء.
وأما من يدعي الإسلام ويزعم نظريًا بأنه يدافع عن عقلانيته وخوفًا من انتقادات اليهود أو النصارى أو العلمانيين وغيرهم، الذين هم في الأصل فاسدو العقائد والفكر والتشريع، فسيردّ هذه الأحاديث مع صحتها منهجيا ورواية، بزعم أنها لا توافق العقل ولا علاقة لها بالنظافة، وسيقول بأن مجرد لمس حجر لا يغني شيئا وهكذا.
كذلك قد يزعم بأنها لا توافق مقاييس الجمال، مع أن الجمال مسألة نسبية واعتبارية قد يتفاوت الناس في الحكم عليها من شخص إلى آخر، ومن مجتمع إلى غيره، فما بالك بعالم الغيب حينما نقيسه بعالم الشهادة الذي ليس منه فيه سوى الأسماء! ومن ثم (يتعقلن) من خلفية عاجزة بدون ضوابط و (يتمنطق) بغير نطاق، فيصدق فيه حكمُ العلماء سابقا: من تمنطق فقد تزندق!.
فهذا ملخصُ الرد على من سخر من الأحاديث الواردة في باب المني، وأبوال الإبل، والفأرة التي سقطت في السمن، ومسائل غيرها لا يسمح المجال ولا المقام بتتبعها والرد عليها.
¥