فهل المسند لم تتم خدمته من قبل طلاب العلم أم أنهم تعمدوا تركه كما هو لأسباب معينة
جزاكم الله خيرا ورزقكم طول العمر مع صلاح العمل
الجواب:
جزاكم الله كل خير، ونفع بكم وزادكم من فضله.
نعم لا توجد طبعة للمسند تكون غاية في الدقة، وأهم واجبات المحقق أن يحقق نص الكتاب سليماً كما كتبه المصنف أو أراده. وطبعة الرسالة أفضل الموجود من حيث الخدمة الحديثية والعزو والتخريج أما النص فثمة موضع كثيرة غير محررة.
وكثير من النصوص المهمة التي وقع الاختلاف فيها نرجع إلى المسند فلا نجد ما يثلج الصدر، مثال ذلك ما استشكلته فسألته فيه أحد الفضلاء.
ومما أشكل عليَّ وسألت عنه أخي الشيخ أبا مالك العوضي هذه الراوية في " مسند الإمام أحمد " 34/ 47 (20471) طبعة الرسالة مع تصحيح السند، والطبعة القديمة 5/ 39 وطبعة دار الحديث القاهرية 15/ 206 (20286) شرح حمزة أحمد الزين:
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ – يَعْنِي: ابْنَ سِيرِينَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ - وَهُوَ فِي نَفْسِي أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ -، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ عَبْد اللَّه (1): قَالَ غَيْرُ أَبِي عَنْ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُفَضِّلُ فِي نَفْسِي حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ: أَنَّ النَّبِيَّ ? خَطَبَ النَّاسَ بِمِنًى، فَقَالَ: أَلَا تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ فَكَانَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ حَرْقِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ؛ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ إِلَيْهِمْ بِقَصَبَةٍ.
وكتبت للشيخ: الإشكال: أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
فأجاب:
المعروف في اللغة أنَّ (بلى) تختص بجواب النفي وإثباته (2)، وأنَّ (نعم) لتصديق الخبر نفياً كان أو إثباتاً (3).
وهذا من المتواتر في اللغة، وشواهده لا تحصى، فلا يحتاج لنقل،من المشهور عن ابن عباس في قوله تعالى: ((ألست بربكم قالوا بلى)) أنه قال: لو قالوا (نعم) لكفروا (4).
وقد وردت شواهد قليلة جداً ظاهرها استعمال (نعم) في موطن (بلى) (5)، وقد استعملها سيبويه نفسه في الكتاب، ولحّنه ابن الطراوة في ذلك (6).
واختار أكثر النحويين أنَّ هذا خطأ، وردّوا ما ورد من هذه الشواهد.
وبعضهم تأول الشواهد الواردة في ذلك بما يخرجها عن ظاهرها جرياً على المشهور.
وبعضهم انتصر لسيبويه فأجازها حملاً على المعنى إنْ لم يحصل في الكلام لبسٌ (7).
ولو سلمنا بالقول الأخير فغايته أنْ يكون ذلك لغة جائزة في الجملة وليست بالفصيحة.
وأما الحديث المذكور فلا شك أنَّه من تغيير النساخ، ولا أقول من تغيير الرواة، بل من تغيير النساخ؛ لأنَّ الحديث معروف من رواية قرة عن ابن سيرين، ومن رواية يحيى بن سعيد عن قرة بلفظ (بلى)، وهذه الألفاظ موجودة في الصحيحين وغيرهما.
بل إنَّ الروايات الأخرى للحديث في المسند نفسه من غير طريق (يحيى بن سعيد) كلها بلفظ (بلى).
ومعلوم أنَّ الإمام أحمد لم يكن يحدث إلا من كتاب (8)، فمن المستبعد جداً أنْ يكون هذا التغيير من الإمام أحمد نفسه، وكذلك من المستبعد أنْ يكون من ابنه عبد الله؛ لأنَّه كان يروي من كتاب أبيه.
فالذي يترجح لي - والله أعلم - أنَّ هذا الخطأ وقع من النساخ الذين نسخوا المسند، وليس من الرواة المتقدمين (9).
والشراح - رحمهم الله تعالى - لهم في مثل هذا الموطن مسالك:
فبعضهم يذهب إلى تصويب الرواة والنساخ مطلقاً، ويبحث عن مسوغ لكل لفظة مهما كان ما خالفها من الروايات بعيداً، إحساناً للظن بهم، وهذه طريقة إمام النحو جمال الدين بن مالك وتلميذه الإمام النووي ومن تبعهم كالقاري.
وبعضهم يذهب إلى تخطئة الرواة مطلقاً في كل ما خالف المشهور من العربية حتى لو اتفق الرواة على هذه اللفظة، وهذه طريقة أبي البركات الأنباري وابن الجوزي والعكبري والسيوطي.
وبعضهم يتوسط فينظر في اختلاف الرواة فحيث اتفقوا حكم بصحة اللفظة؛ لأنَّ طرق إثبات اللغة ليست بأقوى من هذه الأسانيد الصحيحة، وحيث اختلف الرواة حكم بأنَّ هذا من تصرف الرواة، وهذه طريقة الحافظ ابن حجر وغيره.
وهذه الطريقة الأخيرة هي الطريقة المرضية التي لا يسوغ غيرها في نظري.
انتهى كلام الشيخ أبي مالك العوضي وفقه الله تعالى، ومنه تظهر قوة عبارته وجودة.
أما طبعة بيت الأفكار فهي دون الأولى.
أما أحكام طبعة الرسالة ففيها من الأخطاء الكثير والكثير. أما علم العلل فبضاعتهم في هذه الصناعة غير جيدة.
المصدر: http://www.hadiith.net/montada/showt...ed=1#post35171
¥