و ربما التمس الترمذي ذلك من كلام الشافعي فأخذ يقول في كثير من الأحاديث الضعيفة الاسناد من حيث الصناعة الحديثية ((و عليه العمل عند أهل العلم)) مشيرا في ذلك -و الله أعلم- الى تقوية الحديث عند أهل العلم لأن عملهم بمقتضاه يدل على اشتهار أصله عندهم. و قد يلتمس هذا من صنيع البخاري رحمه الله فقد قال في كتاب الوصايا من صحيحه: ((و يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية)). و قد علق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلا: ((و كأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، و الا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج)).
و قال ابن الوزير: ((و قد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول)) و قال الحافظ ابن حجر: (من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فانه يقبل حتى يجب العمل به، و قد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول، و من أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه: و ما قلت من أنه اذا غير طعم الماء و ريحه و لونه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، و لكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا. و قال في حديث: ((لا وصية لوارث)) لا يثبته أهل العلم بالحديث و لكن العامة تلقته بالقبول و عملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية)).
أقول:
فالشافعي رحمه الله تعالى يشير بذلك الى حديث أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)). أخرجه أحمد و أبو داود،و الترمذي، و النسائي. و قد صححه أحمد بن حنبل و يحيى بن معين و ابن حزم.
و قد جاء هذا الحديث من طريق ضعيف عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه و سلم ((الماء لا ينجسه شيء الا ما غلب على ريحه و طعمه و لونه)). فزيادة قوله: ((الا ما غلب على ريحه ... الخ)) ضعيفة لأنها من طريق رشدين بن سعد و هو رجل صالح لكن أدركته غفلة فخلط في حديثه
فالشافعي رحمه الله تعالى يشير الى هذه الزيادة، فهو قد احتج بها مع ضعفها؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول: حيث لاخلاف بين العلماء أن الماء اذا غيرته النجاسة تنجس.
أما حديث الوصية فقد أشرت آنفا الى أنه ثابت و لم يصل للشافعي الا بطريق ضعيف.
و قال الكمال بن الهمام: ((و مما يصحح الحديث أيضا: عمل العلماء على و فقه)).
و قال السيوطي في التعقبات على الموضوعات - بعد أن ذكر حديث حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) - أخرجه الترمذي و قال: العمل على هذا عند أهل العلم؛ فأشار بذلك الى أن الحديث أعتضد بقول أهل العلم، و قد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به و ان لم يكن له اسناد يعتمد على مثله)).
و اكتفي بما نقلته من نصوص عن الأئمة في هذه المسألة و لكن يبدو لي من كلام الامام الشافعي رحمه الله تعالى: أنه ينبغي التفريق بين الحكم بصحة الحديث و بين قبوله و العمل به؛ و ذلك أن التصحيح على مقتضى الصناعة الحديثية شيء و قبول الحديث شيء آخر، فاذا وجد حديث مثل هذا فهو مقبول يعمل به لكنه لا يسمى صحيحا و رحم الله الحافظ ابن حجر حيث قال: ((لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول و لو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله)) فقد أشار رحمه الله الى العمل و لم يتكلم عن الصحة الاصطلاحية، و من دقق النظر في كلام الشافعي السابق ذكره يجده ينحو نحو هذا الاتجاه.المصدر: http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?t=2001
شيخنا الفاضل نفعنا الله بعلمكم
كيف يستطيع طالب العلم التمييز بين المتابعات وأصل الكتاب في الكتب الستة؟
هل يعتبر الحديث الأول هو الأصل وبقية الأحاديث متابعات أو شواهد؟ وهل هذا ينطبق على جميع الكتب الستة؟
الجواب: أجزل الله لكم الثواب، وأدخلكم الجنة بغير حساب
الحقيقة لا يوجد ضابط لذلك فكل راويين اشتركا في رواية عن شيخ معين فأحدهما متابع للأخر، وكذلك الشواهد فكل حديث شاهد الحديث الآخر يشهد له.
لكن ربما يُستأنس فتكون أحاديث الكتب الستة أو أحداديث الكتب المتقدمة هي الأصل، والأخرى ينتفع بها في المتابعات والشواهد.
¥