من المشهور عند أعل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها، ويصير حجة، وإن كان كل طريق منها على انفراده ضعيفا، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئا من سوء حفظهم،لا من تهمة في صدقهم أو دينهم، وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه ... و على هذا فلا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جدا من العلماء من يفعل ذلك، و لا سيما المتأخرين منهم، فإنهم يذهبون إلىتقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقا دون أن يقفوا عليها، ويعرفوا ماهية ضعفها."
0 ــ ومن الأمثلة على هذا الخطأ الشائع:
حديث النوسعة على العيال في عاشوراء، فإنه حديث منكر، ولا يعرف له طريق صحيح، ولا حسن ولا حتى محتمل.
ولكن وجدت البيهقي قد ذكر طرقه في "شعب الإيمان " [3/ 366] ثم قال: هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخدت قوة "
2ــ تقوية رواية مجهول العين أو المبهم بغيرها، أو تقوية غيرها بها:
من الأخطاء الشائعة في التقوية بالمتابعات والشواهد تقوية مجهول العين ـــ وهنا أفتح قوس ــشسخي الكريم، هل صحيح "لا أصل للتقسيم إلى جهالة العين وجهالة الحال عند السبف، إذ أنني وجدت في كتاب الديات للدراقطني في المجلد الثالث ... وقد أشار إلى أن الراوي إذا روى عنه إثنان فصاعدا فمقبول، وإذا روى عنه راو أنه معلول ... هل هي قاعدة كلية أم لا؟؟ أريد جوايا من شيخي الفاضل ..
ثم ومن حكمه كالمبهم ــ بالمتابعة، أو تقوية غيره به، وهذا خلاف ما تقرر في المصطلح علم الحديث.
فإن جهالة العين من أسباب الضعف الشديد، بل كثيرا ما يكون الراوي مجهول العين لا وجود له، وإنما نشأ اسمه عن تصحيف، أو وهم من أحد رواة الحديث ...
ولم أجد أحدا من أهل هذا الشأن ممن نص على التقوية بالمتابعة يذكر أن التقوية تكون بحديث مجهول العين، وإنما خصوا ذلك ــ فيما يتعلق بالجهالة ــ بحديث المستور ومجهول الحال ..
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإتفاق على رد رواية مجهول العين إلا ماكان من احتجاج أبي حنيفة برواية بعضهم من التابعين.
ولذا قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث " [ص:92]:
[أما المبهم الذي لم يسم، أو من سمي ولا تعرف عينه، فهذا ممن لا يقبله أحد علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن]
قلت: بل الراجح ترك الإحتجاج برواية هذا الصنف مطلقا، وترك التعضيد له أو به.
ومن الأمثلة على هذا الخطأ الشائع:
ما أخرجه أحمد [3/ 444،428]، وأبوداود [862]، والنسائي [2/ 214]، وابن ماجه [1429] من طريق:
تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان كما يوطن البعير.
وله شاهد من حديث عثمان البتي، عن عبد الحميد بن سلمة عن أليه مرفوعا بنحوه.
أخرجه أحمد [5/ 447،446]
وهذا الحديث قد حسنه الألباني ــ رحمه الله ــ في الصحيحة [1168] بمجموع الطريقين.
وبدارسة الطريقين نجد:
أن في الطريق الأول: تميم بن محمود، وقال فيه البخاري: " في حديثه نظر " وضعفه العقيلي، والدولابي وابن الجارود، وقال العقيلي: " لايتابع على حديثه "
وفي الطريق الثاني: عبد الحميد بن سلمة، وأبوه، قال فيهما الدراقطني: "لا يعرفان "
وقال الشيخ الألباني ــ رحمه الله ــ
" عبد الحميد هذا مجهول كما في التقريب "
قلت: قد تفرد بالرواية عنه عثمان البتي، وليس له راو عنه غيره، فالجهالة هنا تنصرف إلىجهالة العين، لا سيما وأنه قد اختلف عليه في هذا السند كما في ترجمته من "التهذيب "
فإذا تقرر ذلك، فلا يصح تقوية حديثه بالطريق الأول، إذ لو أننا سلمنا جدلا بأن الضعيف في الطريق الأول ضعف محتمل، فالطريق الثاني قد تفرد به مجهول عين، ومن ثم فلا يقوى به ...
3ـــ تقوية بالشواذ والمناكير:
ومن المعلوم بداهة أن من شروط الصحة انتفاء الشذوذ والنكارة، وكذا هو من شروط الحسن ... فإن الشذوذ والنكارة من أسباب الضعف الشديد.
¥