قال الترمذي:
" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وبكر بن خنيس قد تكلم فيه ابن المبارك وتركه في آخر عمره، وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرطأة، عن جبير بن نفير، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا."
قلت: فهذا الشاهد ليس إلا رواية منكرة أخرى من السند الأصلي المرسل، والحمل في هذه الفرواية غلى بكر بن خنيس فإنه شديد الضعف منكر الحديث، وليث بن أبي سليم ضعيف، وقد تغير بأخرة تغيرا شديدا، وقد خولف في رواية هذا الحديث .. والمرسل الأول هو الأصح، ولا يصح الحديث إلا مرسلا.
إلا أن بعض أهل العلم من المعاصرين قد صحح الحديث بمجموع الطرق السابقة، وهنا تباين واضح بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، مع أنها ما بين محفوظ وشاذ، وليس فيها شيء محتمل الضعف، وقد ظهر من إعلال البخاري والترمذي للحديث ما يدل على عدم صحته، أو حتى حسنه على أقل الأحوال.
5ـــ تقوية الحديث برواية بمجموعة من الرواة المبهمين:
قد يروي أحد الرواة حديثا عن جمع من المبهمين، كأن يقول: حدثني جماعة من الأشياخ أو من عمومتي، أو من الأنصار ز
فذهب بعض أهل العلم إلى أن مثل هذه الجماعة من المبهمين تقوي بعضها البعض، وتنجبر الجهالة بعددهم، ومن ثم يحسن الحديث إن كان باقي رواة السند ممن يحتج بهم، أو يصحح و
وقد سار على هذه الطريقة الشيخ الألباني ــ رحمه الله ــ كما يظهر جليا فيما علقه في " الإرواء " [5/ 128]، وفي "الصحيحة " [1230]
قال في الصحيحة ..
[إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله]
أخرجه أحمد [4/ 310] عن أبان بن عبد الله البجلي، حدثني عمومتي، عن جدهم صخر بن علية: إن قوما من بني سليم ...
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله، أبان هذا مختلف فيه، والأكثر على توثيقه، وقال الذهبي " حسن الحديث "وقال الحافظ: " صدوق في حفظه لين "
وعمومته جمع ينجبر جهالتهم بمجموع عددهم، وقد روى عن عمه عثمان بن أبي حازم وهو من المقبولين عند الحافظ في " التقريب "و كأنه لذلك سكت عليه الحافظ في " الفتح " [6/ 131]، وجعله موافقا لقول البخاري في صحيحه:" إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون فهي لهم."
قلت: واحتج في " الإرواء " لصحة هذا المذهب بما أخرجه البخاري في صحيحه [2/ 539]:
من طريق: سفيان بن عيينة، ثنا شبيب بن غرقدة، قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعت شبيب بن عروة فأتيته، فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة قال: سمعت الحي يخبرونه عنه ,
ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلى الله ىعليه وسلم يقول:
"الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة "
قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا.
قلت: وقد أورد البخاري هذا الحديث ضمن مجموعة أخرى من الأحاديث في فضل الخيل في سبيل الله، فالحجة عنده السند الثاني الذي صرح فيه شبيب بالسماع، لا السند الأول، فالسند ليس على شرط البخاري، وإنما خرجه في صحيحه لتتمة الحديث التي فيها ىحديث الخيل، وهو حديث منصل سمعه شبيب بن غرقدة من عروة البارقي ــ رضي الله عنه ــ
وهذا يرد كثيرا في البخاري، فلا غرابة، فإنه قد يروي حديثا ليس على شرطه لاتصاله برواية أخرى على شرطه.
ثم وجدت الشيخ الألباني ــ رحمه الله ــ يشير إلى أن هذا المذهب قد سار عليه السخاوي من قبله، وهو كما قال، فقد قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " [1044] حديث:"من آذى ذميا فأنا خصمه ":
" أبوداود من حديث: ابن وهب، عن أبي صخر المدني، عن صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله، عن آبائهم دنية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال:
"ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا خصمه يوم القيامة ".
وسنده لا بأس به، ولا يضر جهالة من لم يسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم، ولذا سكت عليه أبوداود وهذا ليس على إطلاقه .. فليس كل ما سكت عليه أبوداود فهوصالح فليراجع طالب العلم "ألفية السيوطي " لمحمد آدم الأثيوبي.
¥