عدم اعتبار المتن بالنسبة للأسانيد، فمتى كان المتن منكرا ظاهر النكارة، كان ذلك دليلا على عدم صحته، وإن ورد من طرق محتملة الضعف.
فإن الدي صح عن العلماء وأهل النقد اعتبار المتون بالنسبة إلى الأسانيد عند البحث والتحقيق.
بل ربما يعلون بعض الأسانيد التي ظاهرها الصحة بعلة غير قادحة إذا كان المتن منكرا، ولم يجدوا له علة ظاهرة ـ وقد ةنص على ذلك الشيخ المعلمي اليماني ثم المكي ــ رحمه الله ــ
0 ــ ومن الأمثلة على هذا الخطأ الشائع:
ما أخرجه البزار في " مسنده " [كشف الأستار: 3013] من طريق:
عبد الله بن عبد الملك الفهري، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن إمرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم يبايعها حتى اختضبت.
قال البزار: " لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد والفهري ليس به بأس، و ليس بالحافظ "
قلت: فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف الحديث، وقد تغير واختلط اختلاطا شديدا بأخرة، وعبد الله بن عبد الملك الفهري منكر الحديث كما قال العقيلي، وقال ابن حبان: " لايشبه حديثه حديث الثقات، يروي العجائب " وضعفه أبوزرعة، والدراقطني، وأما قول البزار:" ليس به بأس " فالظاهر أن هذا متعلق بعدالته، لأنه أردفه بعد ذلك بقوله:" ليس بالحافظ "فهذا تليين لحفظه، وقد ذكر الحافظ في "اللسان " [3/ 384] عدة مناكير، لا يحكم إلا بوضعها من روايته عن نافع، عن ابن عمر، فمثل هذا ضعفه شديد جدا.
وقد ضعف ابن القطان الفاسي هذا الخبر في "أحكام النظر " [ص:163] بليث ابن أبي سليم، وقال:
" وفيه نكارة، فإن النبي صلى الله ىعليه وسلم لم يكن تصاحفه المبايعات، إلا أن يكون معناه أنه أنكر عليها أن لا تكون مختضبة، فأمسك عن إجابتها "
قلت: وعلى هذا التقدير الثاني أيضا ففيه نكارة أن يمتنع التبي صلى الله عليه وسلم عن مبايعة من أتت تريد الإسلام حتى تختضب، فلو أنه ورد في الخبر أنه بايعها ثم أمرها بالخضاب لكان محتملا، فهذا وجه نكارة لا يزول إن زال الأول ..
فالحديث كما ترى منكر السند والمتن جميعا ..
ولكن ورد له شاهد من حديث أم المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ من طريقين، وبلفظين:
الأول: ما أخرجه أبوداود [4166]، والنسائي [8/ 142]، والبيهقي من طريق:
مطيع بن ميمون، عن صفية بنت عصمة، ةعن عائشة، قالت: " أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال:" ما أدري أيد رجل أم يد إمرأة "، قالت: بل إمرأة قال: " لو كنت امرأة لغيرت أظفارك "
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، فإن مطيع بن ميمون هذا منكر الحديث، تفرد بالقليل من الأحاديث غير المحفوظة، قال ابن عدي: "له حديثان غير محفوظين "، قال ابن حجر:"أحدهما في اختضاب النساء بالحناء ... " وهو هذا الحديث، وصفية بنت عصمة مجهولة العين، تفرد بالرواية عنها مطيع، فالحديث منكر من هذا الوجه.
والثاني:ما أخرجه أبوداود [4165] ومن طريقه البيهقي [8/ 76] من طريق:
غبطة بنت عمرو المجاشعية، قالت:حدثتني عمتي أم الحسن،عن جدتها، عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ:
أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني، قال: "لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع "
قلت: وهذا السند كسابقه في شدة الضعف، فغبطة بنت عمرو مستورة، وعمتها وجدتها مجهولتان.
ولذا قال ابن القطان الفاسي في "أحكام النظر " [ص:162 [
"هما ـــ أي حديثي عائشة ــ في غاية الضعف "
ويبقى شاهد ثالث وهو من رواية مسلم بن عبد الرحمن، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء، عام الفتح على الصفاء، فجاءته امرأة يدها كيد الرجل، فلم يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة، أو بحمرة، وجاءه رجل عليه خاتم، فقال:
" ما كهر الله يدا فيها خاتم من حديد "
أخرجه البزار [كشف الأستار:2993]، والطبراني في " الأوسط " [1114] من طريق:
عباد بن كثير الرملي، عن شميسة بنت نبهان، عن مولاها مسلم بن عبد الرحمن به.
قال البزار:" لا نعلم روى مسلم إلا هذا "
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد " [5/ 154]:
"فيه شميسة بنت نبهان، ولم أعرفها، وبقية رجاله ثقات ".
¥