يقال: (لقن حديثاً) و (لقن) و (لقن فتلقن) أو (كان يلقن فيتلقن).إن من شروط صحة الحديث ضبط الراوي لما يرويه. و عدم الضبط أمارة من أمارات رد الحديث و تضعيفه، والتلقين من وسائل الكشف عن الراوي هل هو ضابط أو غير ضابط، فمن يقبل التلقين فهو سيئ الحفظ ومختلط عليه غير ضابط، ومن يرد التلقين و يصلح الخطأ فهو ضابط حافظ لما يروي.
قال ابن حبان: ((ومنهم من كان يجيب عن كل شيء يسئل سواء كان ذلك من حديثه أو من غير حديثه فلا يبالي أن يتلقن ما لقن، فإذا قيل له: هذا من حديثك حدث به من غير أن يحفظ فهذا وأحزابه لا يحتج بهم؛ لأنهم يكذبون من حيث لا يعلمون)). مقدمة " المجروحين " 1/ 68 - 69.
وقال ابن القطان: ((وإنَّه – يعني: التلقين- لعيب يسقط الثقة بمن يتصف به، وقد كانوا يفعلون ذلك بالمحدث تجربة لحفظه وصدقه، وربما لقنوه الخطأ كما قد فعلوا بالبخاري حين قدم بغداد)). " بيان الوهم والإيهام " 4/ 58 (1496)
وقال الصنعاني: ((وهو أنْ يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنَّه من حديثه)) " توضيح الأفكار " 2/ 257، وللسيوطي مثله في " التدريب " 1/ 339.
وقال المعلمي اليماني: ((التلقين القادح في الملقَّن هو أنْ يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين، فإنْ كان إنَّما فعل ذلك امتحاناً للشيخ وبيّن ذلك في المجلس،لم يضره، وأما الشيخ فإنْ قبل التلقين وكثر ذلك منه فإنَّه يسقط)) " التنكيل " 1/ 228.
وقال ابن حزم: ((من صح أنَّه قبل التلقين ولو مرة سقط حديثه كله؛ لأنَّه لم يتفقه في دين الله عز وجل ولا حفظ ما سمع، وقد قال عليه السلام: ((نضّر الله امرءاً سمع منا حديثاً حفظه حتى بلغه غيره)) (راجع تخريجه في تحقيقي لمسند الشافعي (1806)) فإنَّما أمر عليه السلام بقبول تبليغ الحافظ، والتلقين هو: أنْ يقول له القائل: حدثك فلان بكذا و يسمي له من شاء من غير أن يسمعه منه فيقول: نعم، فهذا لا يخلو من أحد وجهين و لا بد من أحدهما ضرورة: إما أنْ يكون فاسقاً يحدث بما لم يسمع، أو يكون من الغفلة بحيث يكون الذاهل العقل المدخول الذهن، ومثل هذا لا يلتفت له؛ لأنَّه ليس من ذوي الألباب، ومن هذا النوع كان سماك بن حرب أخبر بأنَّه شاهد ذلك منه شعبة الإمام الرئيس ابن الحجاج)) الإحكام في أصول الأحكام " 1/ 132.
والتلقين ينشأ من الاختلال الكبير في الحفظ، و من اختل ضبطه فهو مردود الرواية قال الحميدي: ((ومن قبل التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه. وأخذ عنه ما أتقن حفظه إذا علم ذلك التلقين حادثاً في حفظه ولا يعرف به قديماً، وأما من عرف به قديماً في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ولا يؤمن أنْ يكون ما حفظه مما لقن)) " الكفاية ": 149
فالراوي إذا لقن ففطن إلى الصواب، ولم يقبل التلقين فهو في رتبة الثقة بل في رتبة الحفظ والاتقان، ومن لا يفطن ففي رتبة الترك لا سيما إنْ كثر منه ذلك.
أما من كان يتلقن، فلا يقبل إذا حدَّث من حفظه، وأما إذا حدث من كتابه المصحح فيقبل؛ لأنَّ الاعتماد على كتابه لا على حفظه.
صوره:
أ- أن يؤتى للراوي بأحاديث ليست من سماعه، فتقرأ عليه على أنها من أحاديثه، ويسكت دون أنْ يبين أنَّها ليست من سماعه، وهذا مما وقع فيه ابن لهيعة.
ب- أن يقف الراوي على مرويات عنده، ولا يدري هل هي من سماعه أم لا؟ فيقال له: إنَّها من مروياته، فيحدث بها على أنَّها كذلك، كما حصل لعبد الله بن صالح.
أسباب قبول التلقين:
يقع قبول التلقين للراوي إما بسبب الغفلة أو التساهل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو نسيانه أو كونه قليل الفطنة مفرطاً في إحسان الظن أو التهاون عديم المبالاة والحرص أو جامعاً بين حسن الظن بالملقِّن وسوء الحفظ لمروياته، وقد يدفعه ميله إلى الكذب ورغبته فيه وعدم تحرجه عنه، ومنهم من فعله ليرويه بعد ذلك عمن لقنه، وقد يقود الشره الحديثي إلى قبوله التلقين فيحدث بما ليس من حديثه.
حكم رواية الملقَّن: في رواية الملقن ثلاثة أقوال:
الأول: من كان يلقن أحياناً قليلة فيتلقن، وهو مكثر من الرواية فلعله يصلح للاعتبار به كشأن الضعيف السيئ الحفظ؛ لأنَّ الغالب فيه عدم ذلك التلقين.
¥