وقدجعل الحافظ بن حجر "الأعمش في الطبقة الثالثة من كتابه [النكت على ابن الصلاح] و بالطبع فهو مخالف لما كتبه في كتابه [طبقات المدلسين] ولعله لم يستحضر ما كتبه في كتابه "النكت" أو حصل له بعض التردد، فرأى أن بعض العلماء قد احتمل تدليسه، وبعضهم توقف فيه، ولعل ذلك وقع في شيوخه الذين أكثر عنهم الأعمش .. كما قال الحافظ الذهبي [وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف و لا يدري به، فمتى قال" حدثنا"فلا كلام، ومتى قال "عن" تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وابن أبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الإتصال ..
وها هو الحافظ بن حجر نفسه قد أعل خبرا فيه عنعنة الأعمش، مما يتبين لك أن من يقبل عنعنة الأعمش قد خالف منهج العلماء ..
ثم قال " وأصح ما ورد في ذم بيع العينة ما رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش عن عطاء، عن ابن عمر قال:" أتى علينا زمان ..... صححه ابن القطان بعد أن أخرجه من الزهد لأحمد "
الإسناد الذي صححه ابن القطان معلول، لأنه لا يلزم من كونه رجاله ثقات أن يكون صحيحا، لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء،أنه يروي الحديث في موضع واحد بإسنادين عن شيخين فيجعل المتن للشيخ الثاني، وقد أشار إلى ذلك الحافط بن حجر في مقدمة الفتح [1/ 436] وقال: [وقد ظهر بالإستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد، فإن اللفظ يكون للأخير] والله أعلم ..
تدليس الإسناد:
رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقاه فيتوهم أنه سمعه منه وهذا ما عليه جمهور المتقدمين، وهو صنيع عدد من أئمة الحديث المتقدمين من أمثال الإمام أحمد ويحي بن معين والبخاري ...
وعمن لقيه ما لم يسمعه منه وهذا ما عليه جمهور المتأخرين من أمثال ابن حجر و كذا بعده السخاوي ... و أبي الحسن بن القطان ...
وقد ميز الحافط بن حجر بين تدليس الإسناد و بين المرسل الخفي، وهو فرق دقيق جدا، يدل على دقة علماء الحديث، وهذا الخلاف مشهور بين المتقدمين وبين المتأخرين.
فالمتقدمون يعدونه من التدليس، والمتأخرون من باب الإرسال لا من التدليس ..
فالإرسال والتدليس بصيغة موهمة عمن لقيه، والمرسل الخفي عمن أدركه ولم يلقه ...
حكمه:
وذكروا عدة أقوال في قبول رواية المدلس، ولعلها من أصحها التفصيل وهو قول ابن الصلاح:
"ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والإتصال فحكمه حكم المرسل."
" وما رواه بلفظ مبين للإتصال كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبههما فمقبول محتج به "
لا يقبل إلا من صرح فيه بالتحديث على الأصح ..
ومما ينبغي التنبيه إليه:
معرفة الصيغة التي يروي بها المدلس للحديث، ولا نحكم بمجرد العنعنة في السند، لأن العنعنة من تصرف الرواة لا من تصرف المحدث .. قال المعلمي اليماني ثم المكي:"اشتهر في هذا الباب العنعنة مع أن كلمة "عن "ليست من لفظ الراوي الذي يذكر إسمه قبلها بل هي من لفظ من دونه."
ولعل معرفة هذا الأمر مما يصعب ..
قال النووي:ما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى.
قال السخاوي: .. وأكثر العلماء أن المعنعنات التي في الصحيحين منزلة منزلة السماع ..
ولعل أغلب ما أخذ على ابن جريج هو الإرسال وليس التدليس بمعناه الإصطلاحي ويظهر جليا:
أخبرت عن ــ حدثت عن ــ
وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة، وفي مسند أحمد، ومعجم الطبراني الأكبر، وفي الأجزاء.
قال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج، علمت أنه يخشى الله ..
الجواب والتعديل:
هذا الكلام إطلاقات تحتاج إلى تقييد، فقولكم وفقكم الله: ((التدليس ليس ضعفاً)) على إطلاقه هكذا غير مقبول، فالتدليس في الحديث إذا ثبت أنَّه تدليس فإنَّه يؤثر في الرواية، ويقدح في السند، وُيعل به المتن أما إذا قصدتم أنه ليس طعناً في في الراوي فنعم.
ثم قولكم: ((قبول تدليس ابن عيينة ونظرائه))، فالأولى في العبارة أن يقال: ((قبول عنعنة ابن عيينة؛ لأنَّه لا يدلس إلا عن ثقة، والذي نص على هذا ابن حبان في مقدمة صحيحه 1/ 161: (( ....... ، وهذا ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة، فإنَّه يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن)).
أما ما ذكرتموه عن ابن جريج فهو محض خطأ.
¥