فَمَتَى وَقَدْ هُدِمَتْ رُؤَاكَ تَغَارُ؟
وَمَتَى سَتَكْتُبُ أَنْتَ أَوَّلُ صَارِخٍ
يُرْجَى إِذَا قَتَلَ الهَوَاءَ غُبَارُ
فَكَتَبْتُ مَوْجُوعَ الفُؤَادِ، مَرَارَةٌ
أَلاَّ يُرَى غَيْرَ السُّكُوتِ خَيَارُ
يَا دَوْلَةَ " التَّحْرِيْرِ" لَسْتِ بِدَوْلَةٍ
قَدْ آنَ يَقْتُلُ لَيْلَتَيْكِ نَهَارُ
فجاء هذا الكتابُ غضبةً في الله لابن حجر، وما علينا من شيءٍ بعد هذا سوى طلب السداد من الله عز وجل في زمنٍ قليلاً ما رأينا فيه غضبة لله، ولعلماء الأمة الذين أحرقوا أعمارهم شموعاً أنارت دروب حياتنا المظلمة، فلم نَرَ قلماً تعقب المحررين في كتابهما هذا غير قلم شيخنا العلامة المحقق الدكتور هاشم جميل – حفظه الله – على كثرةٍ لهذه الأقلام لكن في غير ما غضبةٍ.
ورحم الله القائل:
ما أكثر الناسَ بل ما أقلهُمُ والله شهد أنَّي لم أقلْ فندا
و:
إنّي لأفتح عيني حين أفتحها على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا
و:
ما أكثر ((الأقلام)) حينَ ((تَعُدُّها)) لكنها في النائباتِ قليلُ
وكان دافعنا الرئيس الذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والدفاع عن علم الجرح والتعديل الذي هو أصعب العلوم، والدفاع عن الصحيحين لما رأينا من تجني المحررين عليهما وعلى رواتهما.
ثم ليس أمر الكلام في الرواة شيئاً يسيراً أو هيناً، لذا اشترطت في المجرح والمعدل: العدالة، والدين المتين، والورع، لذا قال الإمام السبكي –رحمه الله– وهو يتحدث عن صنوف العلماء: ((ومنهم المؤرخون وهم على شفا جرفٍ هارٍ، لأنهم يتسلطون على أعراض الناس، وربما نقلوا مجرد ما يبلغهم من صادقٍ أو كاذبٍ، فلابد أن يكون المؤرخ عالماً عادلاً، عارفاً بحال من يترجمه ليس بينه وبينه من الصداقة ما قد يحمل على التعصب ولا من العداوة ما قد يحمله على الغض منه)).
فشمرنا عن ساعد الجد، لنقد هذا الكتاب وبيان فحواه، والله نسأل أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم.
واقتضت طبيعة هذا الكتاب أن نقسمه بعد هذه المقدمة إلى قسمين:
القسم الأول: في المقدمات، واحتوى على خمسة فصول:
الفصل الأول: الحافظ ابن حجر، وكتابه التقريب.
الفصل الثاني: أنظار في تحرير التقريب.
الفصل الثالث: فرائد الفوائد.
الفصل الرابع: طبعات التقريب.
الفصل الخامس: نقد مقدمة التحرير.
أما القسم الثاني: وهو الأهم، فقد ذكرنا فيه أوهام المحررين وأخطاءهما، وقد سرنا فيه على النهج الآتي:
نذكر الترجمة من نص التحرير (وقد حرصنا على ذكر نصهما بحروفه) ونصدر الترجمة برقم متسلسل لتراجم الكتاب، ثم نضع رقم الترجمة من التحرير بين هلالين، ثم نسوق تعقب المعترضين، ثم بعد ذلك نناقشهما في ذلك.
وقد تتبعنا المحررين – الدكتور بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط – في نصهما الذي أثبتاه للتقريب وفي أحكامهما وفي نقولاتهما فكانت دراسة استقرائية تامة شاملة – إن شاء الله -.
ولقد وجدنا عدد الأخطاء والأوهام وغير ذلك التي وقع فيها المحرران كثيراً جداً، وأن مسألة ذكرها بجملتها في صلب الكتاب، ربما يجعل الكتاب ذا مجلدات عدة، فارتأينا أن نضع تلك الأخطاء في جداول طلباً للاختصار وألحقناها في نهاية الكتاب.
وقد أجملنا بعضها في القسم الأول خشية التكرار والإطالة، ولقد تم تعقب المحررين في أكثر من ألفي موضع، توزعت على (1420) موضعاً في مقدمة الكتاب، و (585) موضعاً في القسم الثاني، و (399) موضعاً في ملاحق الكتاب.
وكان من منهج عملنا في كتابنا هذا: أننا قابلنا النص على المطبوعات واستعنا في مواطن الاختلاف بالنسخ الخطية وما أعزها علينا في بلدنا الذي يأن تحت وطئة الاحتلال منذ سنين، وتتبعنا المحررين الفاضلين في تخريجاتهما وأحكامهما في غير هذا الكتاب ليصبح بيان منهجهما في باقي كتبهما أوضح، وليكون إيراد تناقض أبلغ، واستفدنا في مواضع من تخريجات وتنبيهات المُحْدَثين بعد سبرها وتمحيصها.
وسيجد القارئ الكريم أننا أغلظنا القول في بعض المواطن للمحررين غضبة لله ولرسوله، وإننا موقنون أن هناك كثيراً ممن يشاركنا ذلك، والله من وراء القصد، وهو يتولى السرائر.
وقد بذلنا جهدنا وما وسعتنا طاقتنا في هذا الكتاب، ولم نألُ بتعب أو وقت عليه، راجين الله تعالى أن يجعله نوراً لنا إنه سميع عليم.
¥