تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني على الأبواب، فضحك الشيخ الذي كان ينتظر عودته تلك قبل ذلك بكثير وقد أعدّ لها، وأخذه إلى مدير مكتب عنبر الأستاذ محمد علي الجزائري، وإذا به لم يلغ قيده وهو مازال رسمياً من الطلاب، فسأله: لقد اقترب الامتحان الثاني فهل تستطيع أن تدخله مع رفاقك وتعيد الامتحان الأول بعده بعشرة أيام؟ أجابه علي الطنطاوي بلا تردد: أرجو الله. فقال له توكل على الله وادخل صفك. فدخل صفه ثم دخل بعد ذلك الامتحان، وكان بفضل الله الأول بين الطلاب.

في الكتابة والخطابة وبداية عمله في الصحافة:

في سنوات مكتب عنبر بدأ علي الطنطاوي يعرف كاتباً وخطيباً، وعرفته المنابر وخاصة منبر الجامع الأموي، يقبل عليه المصلون ويهرع إليه الناس إذا دعاهم وتتجمع حوله الجموع، ويقود الناس في المظاهرات من الأموي، وتستجيب البلد كلها لندائه وتغلق الأسواق ويتضامن معه التجار وتعينه جمعية الهداية الإسلامية كلما حدث في البلد حادث. خطب علي الطنطاوي خطباً هزت البلاد. خطب في الشام ومصر والعراق ولبنان والقدس وعمان والهند والباكستان وأندونيسيا. وتحدث في إذاعة الشرق الأدنى في يافا من يوم إنشائها، وإذاعة دمشق وبغداد بعد ذلك. كان دائماً مسموع الكلمة في الناس ولدى كل الأطراف، وكان يقول الحق لا يحابي أحداً ولا يسعى لمصلحة نفسه. وبقي على مبدئه في قول الحق حتى توفاه الله، المبدأ الذي عاهد الله عليه ووفى به، وهو أن يقول الحق ما استطاع فإن لم يستطع فلا يقول باطلاً أبداً.

وعمل رحمه الله في الصحافة سنين طويلة، وقال عنها أنها أحب المهن إليه إذا كان هو صاحب الكلمة فيها، لا ينغّص عليه أحد فيمنعه من نشر ما يريد أو يدفعه لنشر ما لا يريد. وكانت بدايته في الصحافة عندما نشرت أول مقالة له في المقتبس، وكانت فرحة من فرحات عمره الكبار، ثم عمل في ذلك كثيراً مع خاله محب الدين الخطيب في زيارته الأولى لمصر سنة 1928م. وعمل بعد عودته إلى دمشق في جريدة "فتى العرب"، وكتب في "الناقد" وفي جريدة "ألف باء" و"القبس".

عمله في التعليم:

كانت مسيرة التعليم في حياة علي الطنطاوي جزءاً بارزاً من حياته استغرقت عمره كله. بدأ بها عملاً يقتات به أثناء إكمال دراسته بعد وفاة والده. وكانت البداية في زيارة قام بها إلى المدرسة الأمينيّة التي كان مديرها ابن خالته الشيخ شريف الخطيب، فدخل على التلاميذ فألقى عليم درساً فأحب التدريس واشتغل فيه من ذلك اليوم، وكان عمره يومئذٍ ثمانية عشر عاماً. وفي هذه المدرسة بدأ العمل في المسرح المدرسي الذي نبغ فيه بعد ذلك وكتب مجموعة من المسرحيات أدّاها الطلاب بإشرافه.

تدرّج بعد ذلك في التعليم الابتدائيِّ وطاف المدن والقرى، ثم علّم في المدارس الابتدائية والثانوية في العراق ثم في غيرها، وعلم فيما بعد في الجامعات وفي الدراسات العليا وأشرف على الرسائل العلمية, وقد وجد بعد هذه المسيرة الطويلة أنه لا شيء أنفع ولا أبرك ولا أثوب من تعليم الصِّغار من تلاميذ المدارس الابتدائيَّة، فهذا هو الأساس الذي تقوم عليه الأمة بأكملها. أحبَّ علي الطنطاوي هذا العمل وكان مثالاً للمعلّم الناجح، ومرَّت بين يديه أجيال من الطلاب الذين نبغ منهم وبرز من صاروا من أعلام الناس.

الشَّهادة الثانوية و زيارة مصر سنة 1928م ثم عودته ودراسة الفلسفة:

في نهاية دراسته الثَّانوية في مكتب عنبر كان الفرنسيون قد بدؤوا بتطبيق نظام "البكلوريا" (الثانوية الفرنسية)، وفرضوا على الطلاب أن يدرسوا المناهج الفرنسية المطبقة على الطلاب الفرنسيين، وجعلوه امتحاناً رهيباً جمعوا فيه جميع طلاب الثَّانوية من جميع المدارس، وكان من الناجحين.

بعد الثَّانوية سافر إلى مصر مرافقاً لأخته التي كانت ستتزوج من شريك خاله محب الدين الخطيب، مفارقاً أمَّه وإخوته لأول مرة. وكانت هذه السَّفرة هي أكبر حدث مرَّ عليه في شبابه. رافق خاله في المطبعة السَّلفية وقابل فيها كِبار رجال العلم والأدب في مصر، وشارك في تحرير الفتح والزَّهراء، وشهد بداية الدعوة الإسلامية المنظَّمة المتمثِّلة في جمعية الشبان المسلمين، التي كانت تأسَّست حديثاً وكان خاله من مؤسسيها، والدعوة المنظمة الحقيقية التي بدأت على يد حسن البنَّا، الشَّاب الذي كان يتردَّد على المطبعة السَّلفية. دامت زيارته الأولى لمصر شهران، وكانت غنيَّة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير