تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في سنة 1353هـ (1935م) سافر في رحلة الحجاز العظيمة التي خرجوا فيها لاستكشاف طريق السيارات للحج، واستغرقت الرحلة ثمانية وخمسين يوماً قطعوا فيها خمسة آلاف كيل على رمال الصحراء ووصلوا بعد انتهاء الحج، ورأوا فيها من الصعاب أشياء لا تصدق. غرقت سيارتهم في الرمال فكانوا يجرونها بالحبال على أكتافهم، وناموا في وسط الصحراء بين العقارب والوحوش المفترسة، وشحّ عليهم الطعام والماء حتى شربوا من الماء الذي يملؤه الدود. وعلى غير عادته اتخذ علي الطنطاوي في هذه الرحلة دفتراً يدون فيه كلّ ما يمرّ بهم من أحداث وما يطؤونه من أماكن وما يسمعونه من أخبار وأشعار تلك الأماكن، حتى إذا امتلأ الدفتر حين أوشكت الرحلة على نهايتها امتدت إليه يد سارق فأخذته. آلمه فقد هذا الدفتر أكثر مما لو فقد ماله. وحديث هذه الرحلة حديث طويل وممتع. وبعد عودته من الرحلة توفي شيخ الشام الشيخ بدر الدين الحسني واختاروا علي الطنطاوي لينعاه، فخطب في الأموي في حشد هائل من الناس الذين اجتمعوا لجنازته رحمه الله وكان يوماً مشهوداً. وعاد رحمه الله يدرّس في مدرسة المهاجرين في دمشق.

التدريس في العراق وبيروت:

في تلك الأيام كان رحمه الله قد جاوز الخامسة والعشرين ولم يتزوج، ولا يملك مؤونة الزواج، وليس له إلا راتبه البالغ ستاً وثلاثين ليرة، وكان في حرب دائمة بلسانه وقلمه مع أذناب الفرنسيين والفاسدين والماسونيين المسيطرين على وزارة المعارف، فصارت الطرق تسدّ في وجهه زيادة على ما هو فيه من ضيق ذات اليد، فجاءه الفرج على يد الشيخ بهجة الأثري للعمل في العراق. وذهب مع مجموعة من المدرسين منهم رفيقه أنور العطار سنة 1936م، ودرّس طلاب الثانوية في الثانوية المركزية في بغداد، وكان من قبل في الشام لا يدرس إلا التلاميذ الصغار، فتدفق علمه وأدبه وذخيرة قراءاته الكثيرة في تعليم الطلاب الكبار، وفي نفس الوقت كان يدرّس في دار العلوم الشرعية في الأعظمية بجوار مسجد أبي حنيفة بعد انتهاء عمله في الثانوية المركزية، وتعرف فيها على مشايخ بغداد وعلى رأسهم الشيخ أمجد الزهاوي، ودرّس أيضاً في دار المعلمين. وشهد في إقامته في بغداد ثورة دجلة العظيمة التي كادت تغرق بغداد في ليلة مرعبة لا تنسى.

ثم كان لعلي الطنطاوي ولمجموعة من المدرسين منهم الشاعر الجواهري خلاف مع مفتش في الوزارة، فكتب عنه رحمه الله على أثر ذلك مقالة شديدة نشرها الجواهري في جريدته، وكانت حصيلة المشكلة قرار بإنهاء عقده وتسفيره. لكن رفيقه أنور العطار تضامن معه مثل ما فعل علي الطنطاوي معه من قبل في مكتب عنبر قبل ذلك بسبع سنين، فأثار الطلاب ولجأ إلى الأستاذ الأثري في وزارة المعارف والشيخ طه الراوي الذي كان يعمل مع الشيخ رضا الشيبة رئيس مجلس الأعيان فشفعوا له، وتجمّع طلابه وذهبوا إلى وزارة المعارف ثائرين فهدّأهم مدير المعارف وطمأنهم أن علي الطنطاوي سيبقى. لكن خصومه المتربصين به استمروا في مسعاهم لإبعاده، إلى أن نجحوا في نقله إلى البصرة، وسافر إلى البصرة مودعاً طلابه وإخوانه في بغداد. وكان مع طلابه في البصرة كما كان مع طلابه في بغداد.

بعد سنته الأولى في العراق، قُدّر له أن يمضي سنة في بيروت، فعندما جاء دمشق في إجازة الصيف بعد نقله إلى البصرة، عرض عليه الشيخ صلاح الدين الزعيم التدريس في الكلية الشرعية في بيروت وذلك سنة 1937م، فقبل لما رأى من تربص أناس له في العراق ولقرب بيروت من دمشق وسهولة السفر إليها، فكان يقضي ثلثي الأسبوع في بيروت وثلثه في دمشق. وعاش تلك السنة بين طلابه الذين سعد بصحبتهم، وكان منهم الشيخ الشهيد حسن خالد الذي صار فيما بعد مفتي الجمهورية، وكان يصحبهم للمشي يصعدون الجبال وينزلون الوديان.

في تلك السنة أصابه مرض ظن أنه من حصاة في كليته اليمنى كانت عنده من زمن، ثم تبين أنه التهاب الزائدة الدودية، فأخذوه إلى مستشفى الدكتور محمد خالد ابن المفتي الذي كان جراحاً فأخبره أن لا بد من عملية جراحية، لكنه هرب من المستشفى وركب إلى الشام فرافقه الشيخ صلاح الزعيم إلى بيته في دمشق، وأجريت له العملية وبقي بعدها على السرير أربعين يوماً. كان العام الدراسي في آخره وقد بقي منه أقل من شهر فوكل صديقه الشيخ صالح فرفور ليدرس الطلاب بقية المدة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير