تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد خروجه من المستشفى آثر العودة إلى بغداد لأن تكرار السفر كل أسبوع إلى بيروت لم يكن سهلاً عليه بعد الجراحة التي أجريت له. فعاد إليها في أواخر سنة 1938م ودرّس في الثانوية الغربية في بغداد، وتحدث في إذاعة بغداد.

في هذه المرة جاء بغداد وترك قلبه في الشام التي تئنّ تحت حكم الفرنسيين، فكتب في أوائل

سنة 1939م مقالة جعلها رسالة مفتوحة إلى الملك غازي استصرخه فيها لنصرة سورية الأسيرة، قامت على أثرها مظاهرة في بغداد لنصرة سورية، خرجت فيها بغداد كلها إلى الشوارع، خطب فيها خطباء كثر ومنهم علي الطنطاوي، الذي لم ير مثل تلك المظاهرة قبلها ولا بعدها. وما مرت عشرة أيام إلا قُتل غازي، فبكته العراق ورثاه علي الطنطاوي في مقالة خرجت من قلبه. وعاد رحمه الله في الثانوية الغربية إلى سيرته في تدريس طلابه الأذكياء الذين أحبهم وأحبوه وأخلص في تعليمهم وتربيتهم وكان أخاً كبيراً لهم في المدرسة وخارجها.

في تلك السنة كانت دعوة القومية العربية قد قويت وسادت وزارة المعارف، فمن الإسلاميين من ساير ولان دون أن يخرج عن طريقه، ومنهم من جاهر بدعوته وحارب القومية المنافية للدين، التي تريد أن تبدل قول الله: "إنما المؤمنون أخوة" وتحل محله إنما العرب إخوة، وكان أبرز هؤلاء علي الطنطاوي وأحمد مظهر العظمة وعبد المنعم خلاف، فنقلوهم إلى مناطق الأكراد في الشمال، قالوا لهم: ما دمتم لا تفرقون بين المسلم العربي والمسلم غير العربي فاذهبوا فعلموا الأكراد المسلمين. وكان نصيب علي الطنطاوي النقل إلى كركوك.

وانتقل إلى كركوك فاكتشف أن كل مدرسي اللغة العربية لا يسلمون من أذى الطلاب الأكراد الذين كانوا ذوو بسطة في الأجسام، فدخل على أكبر الفصول في غفلة من المدير الفاضل الذي كان يريد أن يصرفه عن الدخول عليهم خوفاً عليه منهم، فوجد الشر في عيونهم، فخاطبهم قائلاً: يا أبنائي جئت أعلمكم العربية لا خدشاً للكردية ولكن لأنها لغة نبيكم محمد ولغة الكتاب الذي أنزل على محمد، ولنجتمع عليه على الإخوة الإسلامية فنمحوا الدعوة الجاهلية، وسألهم ألا تحبون محمداً قالوا: نعم نحبه عليه الصلاة والسلام، ثم قال: ألا تريدون أن تقرؤوا كتاب الله قالوا: نعم وإننا لنقرؤه، فقال لهم: إن الله أمر بتدبر القرآن فكيف تتدبرونه إن لم تعرفوا العربية؟ ثم خاطبهم: يا أبنائي لقد نقلوني إليكم لأني أبيت الدعوة الجاهلية التي تفرق الأمة الواحدة، ثم دعاهم لتعلم العربية ليفهموا كتاب ربهم. تأثر الطلاب حتى كادوا يبكون وحملوه على رؤوسهم وساروا يهتفون، فلما سمع المدير أصواتهم ظنهم قد انقضوا عليه يريدون به الأذى فاستدعى الشرطة، ففوجئوا بالطلاب يخرجون وهم يحملونه على أكتافهم. وعاش بين طلابه في كركوك حياة هادئة. كان يبيت في الفندق ويأكل في مطعم ملحق به، ويزور من وقت لآخر رفاقه أحمد مظهر العظمة الذي نُقِل إلى إربيل، وابن عمه الدكتور سامي الطنطاوي رفيق صباه في السليمانية.

العودة من العراق وزواجه:

بقي في كركوك والشام تحت حكم الفرنسيين تزداد الأمور فيها سوءاً حتى جاء العهد الذي سُمّي بحكومة المديرين، عندما عُزل الوزراء وعُطِّل الحكم النيابي، وجيء بمديري الوزارات وتسلموا الأمور. ضاق صدره رحمه الله بهذه الأخبار وخشي أن تقوم الحرب فتنقطع به السبل عن أهله، وكان قد عقد زواجه، ثم فكر واستشار واستخار وقرر الاستقالة والعودة إلى دمشق. واستقال وسافر بالقطار إلى حلب فلقي فيها الشيخ مصطفى الزرقاء ومنها سافر إلى دمشق.

بعد عودته عام 1939م كتب إلى وزارة المعارف ليعود إلى عمله بالتدريس، فعُيِّن مدرساً معاوناً في مدرسة التجهيز؛ وهي الثانوية الرسمية التي كان اسمها مكتب عنبر. ودرّس فيها خلفاً لأستاذه إمام العربية الشيخ عبد القادر المبارك.

وفي هذه السنة تزوج علي الطنطاوي من عائدة ابنة القاضي صلاح الدين الخطيب (جدّتي عليها رحمة الله) وهي قريبته من جهة أمه، جدها لأبيها الشيخ أبو الفرج وجده لأمه الشيخ أبو الفتح شقيقان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير