تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم كان هناك احتفال بالمولد النبوي عام 1940م، فأُلقيت خطب ومحاضرات كان منها محاضرة كتبها ميشيل عفلق ألقاها عنه زميل له، وذلك قبل أن يدعو بدعوة حزب البعث، وكانت المحاضرة تمجيداً للنبي كعظيم من العظماء دون ذكر لنبوته صلى الله عليه سلم، وكان علي الطنطاوي يتقد حماسةً في تلك الأيام، فلم يصبر على هذا الكلام، فقفز إلى المسرح وأخذ بتلابيب المحاضر ورمى به من على المسرح، واستلم "المايكرُفون" فتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبغي له. وهاج الناس وانقسموا بعد ذلك بين مؤيدين له وهم الأكثر وآخرون عليه، ونصرته الجمعيات الإسلامية التي اجتمعت كلها على بيان وزعوه نصرة له، لكنه عُوقِب بنقله إلى دير الزور على حدود العراق.

وسافر إلى دير الزور عام 1940م في الشتاء البارد في سفرة شاقة. وأقام فيها شهوراً كان فيها مستريحاً، وعرف مجموعة من كِرام أهلها وأنِسَ بصحبتهم. ودرّس في مدرستها الثانوية مدة قصيرة، ثم جاءت العطلة النصفية وأعدَّ عدته ليمضيها في دمشق، وكان خروجهم في يوم جمعة وكان وقت الصلاة قد اقترب فرأى أن يُصلّوا الجمعة وينطلقوا بعدها، فوافق رُكَّاب السيارة ونزلوا يصلون، وإذا بالشيخ حسين السراج يقول له أنهم يريدونه أن يخطب بهم الجمعة. وكانت البلاد تغلي في تلك الأيام بعد بداية الحرب العالمية الثانية وقد سقطت باريس في يد الألمان، فقال للشيخ "أخشى أن تطغى بي الحماسة فأقول ما لا يناسب المقام"، فقال له الشيخ حسين "قل ما تشاء". فخطب خطبة حمَّس الناس فيها على المُحتلين الفرنسيين وسخر منهم أن نعال الألمان وطِئت عاصمتهم، فثار الناس وكان يظنهم كأهل الشام يتظاهرون ويهتفون وإذا بأهل الدير كأهل العراق؛ بركانٌ مُتفجِّر وزلزالٌ مدمِّر، فخرج المُصلون من المسجد يريدون الفرنسيين ليسحقوهم، وجاءت الشرطة وأراد الجُنود القبض على علي الطنطاوي، فمنعهم منه الناس الثائرون الذين حفّوا بسيارته ورافقوه حتى غادرت السيارة البلد. وبعد أن قطعوا تَدمُر كان قد جاء أمر آخر بالهاتف بالقبض عليه، لكن ركاب السيارة حالوا بينهم وبينه إلى أن بلغ دمشق. هناك استدعاه وزير المعارف ليقول له أن يستريح ولا يعود لدير الزور، فأجابه أنه مستريح هناك ولا يشكو شيئاً، فلمَّا راوغه قال له الوزير صراحة أن المُستشار الفرنسيّ يرفض عودته للدير. فقال له: كيف أبقى بلا عمل؟ قال: سنعطيك إجازة مرضيَّة. فقال له: لكني لست مريضاً، فضحك الوزير وأجابه: سنختار لك مرضاً ترضاه. وعاد علي الطنطاوي يكتب ويخطب ويشارك في الأحداث في دمشق بعد عودته من الدِّير كما كان من قبل.

وكانت له رحمه الله تجربة قصيرة في المحاماة في تلك السنة، وانتسب إلى نقابة المحامين لكنه لم يُرافِع إلا في قضايا معدودة، أحسّ بعدها أنه لا يصلح للمحاماة ولا تصلح له.

في القضاء:

ساق قَدَر الله علي الطنطاوي إلى القضاء عام 1941م، عندما رأى إعلاناً في ساحة المرجة يدعو حَمَلة إجازة الحقوق للدخول في القضاء، وكان قد بقي على وقت التقديم يومان فقط، فمرَّ على صديقه محمد الجيرودي فاستعار منه الكتب ومجلة الأحكام العدلية وبدأ الاستعداد للامتحان الصعب، ولما كان عدد المتقدمين قليلاً فقد ألغت وزارة العدل شرط مدّة التدريب في المحاماة، فزالت هذه العقبة التي كانت تعترضه، ومُدِّدت مدة التقديم عشرة أيام. وانقطع للقراءة بعد أن قُبل للمسابقة واعتزل الناس وتفرغ تماماً لهذا الأمر، حتى حفظ مواد المجلة البالغة 1800 مادة، وغاص في قوانين الأحوال الشخصية والكتب الفقهية، ثم حان وقت الامتحان وهو لم يكمل استعداده بعد، فأكرمه الله بتأجيل الامتحان لقلَّة عدد المتقدمين له فاستطاع أن يكمل استعداده، ودخله بعد ذلك ونجح فيه مع أوائل الناجحين، وعُيِّن قاضياً شرعياً في النَّبك الواقعة في منطقة جبلية مرتفعة. وإدراكاً منه لمسؤولية القضاء الذي سيتولاه طلب من الوزارة مهلة شهر، واظب فيه في المحكمة الشرعية في دمشق حتى يعرف كل المعاملات وأصولها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير